كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 5)
وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث والثّياب، ووجدوا فيها ألفا وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع، وألفي رمح، وألفا وخمسمائة ترس وحجفة [ (1) ] وأثاثا كثيرا، وآنية كثيرة، وخمرا، وجرارا، وسكرا فهريق ذلك كله. ولم يخمّسه ووجد من الجمال النّواضح عدّة، ومن الماشية شيئا كثيرا، فجمع هذا كله.
وتنحّى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجلس وتواثبت الأوس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله حلفاؤنا دون الخزرج، وقد رأيت ما صنعت ببني قينقاع بالأمس حلفاء ابن أبيّ وهبت له ثلاثمائة حاسر، وأربعمائة دارع. وقد ندم حلفاؤنا على ما كان من نقضهم العهد فهبهم لنا، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- ساكت لا يتكلّم حتّى أكثروا عليه وألحّوا ونطقت الأوس كلّها،
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم» ؟ قالوا:
بلى. قال: «فذلك إلى سعد بن معاذ»
[ (2) ] .
وقال ابن عقبة: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «اختاروا من شئتم من أصحابي»
فاختاروا سعد بن معاذ، فرضي بذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وسعد يومئذ في المسجد بالمدينة، في خيمة كعيبة بنت سعيد- بالتّصغير فيهما- الأسلميّة، وكانت تداوي الجرحى وتلّمّ الشّعث، وتقوم على الضّائع الذي لا أحد له، وكان لها خيمة في المسجد، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جعل سعد بن معاذ فيها ليعوده من قريب فلمّا جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحكم إلى سعد خرجت الأوس حتّى جاءوه فحملوه على حمار بأعرابي بشندة من ليف وعلى الحمار قطيفة فوق الشّندة، وخطامه من ليف، وكان رجلا جسيما، فخرجوا حوله يقولون: يا أبا عمرو، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد ولّاك أمر مواليك لتحسن فيهم، فأحسن فقد رأيت ابن أبيّ وما صنع في حلفائه، وأكثروا من هذا وشبهه، وهو لا يتكلم، حتّى إذا أكثروا عليه قال سعد: قد آن لسعد ألّا تأخذه في الله لومة لائم، فقال الضّحّاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاري: وا قوماه! وقال غيره منهم نحو ذلك ثم رجع الضّحّاك إلى الأوس فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد، عن كلمته الّتي سمع منه، وأقبل سعد إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم والنّاس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس، فلمّا طلع سعد بن معاذ-
وفي الصّحيحين- فلما دنا من المسجد: أي الذي كان فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعدّه ببني قريظة أيام حصارهم- للصلاة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى سيدكم» وفي لفظ «خيركم»
فأمّا المهاجرون من قريش فإنّما يقولون: إنّما أراد الأنصار، وأمّا الأنصار فيقولون: قد عمّم بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-
__________
[ (1) ] الحجفة: الترس من جلود بلا خشب ولا رباط من عصب، انظر المعجم الوسيط 1/ 158.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 475 (4121) .
الصفحة 10
518