كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 5)

انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ إلي قوله: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ
[التوبة 95، 96] .
قال كعب: وكنا قد تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمرنا حتى قضى الله سبحانه وتعالى فيه بذلك قال الله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة 118] وليس الذي ذكر الله مما خلّفنا عن الغزو وإنما تحليفه إيّانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه، فقبل منه.
وروى ابن عساكر عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لما نزلت توبتي قبّلت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-.

ذكر أقوام تخلفوا من غير عذر
روى ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما. والبيهقي عن سعيد بن المسيّب رحمه الله- في قوله تعالى:
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً [التوبة 102] قال ابن عباس كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك منهم: أبو لبابة، وسمى قتادة منهم: جد بن قيس وجذام بن أوس. رواه ابن أبي حاتم.
فلما قفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممرّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رجع من المسجد عليهم، فلما رآهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من هؤلاء الموثقون أنفسهم» قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله، فعاهدوا الله ألا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم فترضى عنهم وتعذرهم، وقد اعترفوا بذنوبهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين»
[ (1) ] فلما بلغهم ذلك قالوا:
ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله تبارك وتعالى هو الذي يطلقنا، فأنزل الله تبارك وتعالى:
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة 102] وعسى من الله واجب، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة 37] فلما نزلت أرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليهم فأطلقهم وعذرهم.
قال ابن المسيب: فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أبي لبابة ليطلقه، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجاءه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأطلقه بيده، فجاءوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما أمرت أن آخذ أموالكم»
فأنزل الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ يقول: استغفر لهم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة 103]
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 272.

الصفحة 478