كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 5)
بني قريظة، فنزل قريبا من حصنهم على بئر أنّا بأسفل حرّة بني قريظة، فلمّا رآه علي- رضي الله عنه- رجع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأمرني أن ألزم اللّواء، فلزمته، وكره أن يسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أذاهم وشتمهم.
فقال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابيث، فإن الله- تعالى- كافيك اليهود. فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لم تأمرني بالرّجوع؟ فكتمه ما سمع، فقال: «أظنّك سمعت منهم لي أذى» فقال: نعم يا رسول الله. قال: «لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً» . فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليهم، وتقدّمه أسيد بن الحضير- فقال: يا أعداء الله: لا نبرح عن حصنكم حتّى تموتوا جوعا، إنما أنتم بمنزلة ثعلب في جحر، فقالوا: يا ابن الحضير:
نحن مواليك دون الخزرج، وخاروا، فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إلّا وذمة، ودنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم. وترّسنا عنه، ونادى بأعلى صوته نفرا من أشرافهم، حتى أسمعهم فقال: «أجيبوا يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطّاغوت هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ أتشتمونني؟! فجعلوا يحلفون ما فعلنا، ويقولون: يا أبا القاسم ما كنت جهولا، وفي لفظ ما كنت فاحشا. واجتمع المسلمون عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عشاء، وبعث سعد بن عبادة- رضي الله عنه- بأحمال تمر لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمسلمين. فكان طعامهم، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم يومئذ «نعم الطّعام التّمر» .
ذكر محاصرة المسلمين لبني قريظة
غدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سحرا، وقدّم الرماة وعبّأ أصحابه فأحاطوا بحصون يهود، ورموهم بالنّبل والحجارة، وهم يرمون من حصونهم حتّى أمسوا، فباتوا حول الحصون، وجعل المسلمون يعتقبون، يعقب بعضهم بعضا، فما برح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يراميهم حتى أيقنوا بالهلكة، وتركوا رمي المسلمين، وقالوا: دعونا نكلمكم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «نعم» فأنزلوا نبّاش بن قيس، فكلم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النّضير من الأموال والحلقة وتحقن دماءنا، ونخرج من بلادك بالنّساء والذّراري، ولنا ما حملت الإبل إلّا الحلقة، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: تحقن دماءنا وتسلّم لنا النّساء والذّريّة ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلا أن ينزلوا على حكمه، وعاد نبّاش إليهم بذلك.
ذكر اعتراف كعب بن أسد كبير بني قريظة وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما عاد نبّاش إلى قومه، وأخبرهم الخبر، قال كعب بن أسد: يا معشر بني قريظة، والله قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإنّي عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا ما شئتم منها، قالوا: وما هي؟ قال: نتابع هذا الرّجل ونصدّقه. فو الله لقد تبيّن لكم أنه نبي مرسل، وأنّه الّذي تجدونه في
الصفحة 6
518