كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 5)
وقال ابن عقبة: زعموا أنّه ارتبط قريباً من عشرين ليلة. قال في البداية: وهذا أشبه الأقاويل، وقال ابن إسحاق: أقام مرتبطا خمسا وعشرين ليلة. قال أبو عمر: روى ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة ربوض والرّبوض الثّقيلة- بضع عشرة ليلة حتّى ذهب سمعه فما يكاد يسمع، ويكاد يذهب بصره. وكانت ابنته تحلّه إذا حضرت الصّلاة أو أراد أن يذهب لحاجته فإذا فرغ أعادت الرباط. والظّاهر أنّ زوجته كانت تباشر حلّه مرّة وابنته مرّة.
وأنزل الله تعالى- في توبة أبي لبابة وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة 102] قال ابن إسحاق: حدّثني يزيد بن عبد الله بن قسيط: إن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم من السحر وهو في بيت أم سلمة،
قالت أمّ سلمة: فسمعت رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم من السّحر وهو يضحك، قالت: فقلت: يا رسول الله ممّ تضحك؟ أضحك الله سنّك، قال: «تيب على أبي لبابة» قالت: فقلت أفلا أبشّره يا رسول الله؟ قال: بلى إن شئت»
قال:
فقامت على باب حجرتها- وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب- فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك قالت: فسار النّاس إليه ليطلقوه، فقال: لا والله حتّى يكون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو الّذي يطلقني بيده. فلمّا مرّ عليه خارجا إلى صلاة الصّبح أطلقه. قال السّهيليّ
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن علي بن الحسين- رضوان الله عليهم أجمعين- قال: أن فاطمة- رضي الله عنها. جاءت تحلّه فقال إنّي حلفت ألا يحلّني إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال النبي- صلى الله عليه وسلّم: «إن فاطمة بضعة مني»
قلت: علي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف، وعلي بن الحسين روايته مرسلة-
قال أبو لبابة: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أهجر دار قومي الّتي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي كلّه صدقة إلى الله وإلى رسوله. قال: «يجزئك الثّلث يا أبا لبابة»
[ (1) ] .
ذكر نزول بني قريظة على حكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورده الأمر إلى سعد بن معاذ- رضي الله عنه-
فلمّا جهدهم الحصار، نزلوا على حكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم بأسراهم فكتّفوا رباطا، وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة، ونحّوا ناحية، وأخرجوا النّساء والذّرّية من الحصون فكانوا ناحية واستعمل عليهم عبد الله بن سلام، وجمعت أمتعتهم وما
__________
[ (1) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9745) والطبري 9/ 46 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص (214) حديث (841) .
الصفحة 9
518