كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)
في حصن له بأرض الحجاز. فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبد اللَّه بن عتيك لأصحابه: امكثوا أنتم مكانكم فإني منطلق ومتلطّف للبوّاب لعلي أن أدخل فأقبل حتى دنا من الباب» .
قال ابن عتيك: فتلطّفت أن أدخل الحصن ففقدوا حمارا لهم فخرجوا بقبس يطلبونه فخشيت أن أعرف فغطيت رأسي ورجليّ فتقنّعت وجلست كأني أقضي حاجة. ثم هتف صاحب الباب، فدخلت ثم اختبأت، وفي لفظ: فكمنت في مربط حمار ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوّة. وفي رواية: فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علّق الأغاليق على وتد. وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علاليّ له. فتعشّوا عنده وتحدّثوا حتى ذهبت ساعة من الليل ثم رجعوا إلى بيوتهم. وفي رواية فلما ذهب عنه أهل سمره وهدأت الأصوات فلا أسمع حركة خرجت وقمت إلى الأقاليد ففتحت باب الحصن. وقلت إن نذر بي القوم انطلقت على مهل ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم فأقفلتها من ظاهر. ثم صعدت إلى أبي رافع فجعلت كلّما فتحت بابا أغلقته عليّ من داخل.
قلت: إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إليّ حتى أقتله. فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم قد طفئ سراجه [وهو] في وسط عياله لا أدري أين هو من البيت. فقلت: يا أبا رافع فقال: من هذا؟ فعمدت- وفي لفظ- فأجويت نحو الصّوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش- أو قال: داهش فلم تغن شيئا، وصاح فخرجت من البيت فما مكثت غير بعيد ثم جئت فقلت: مالك يا أبا رافع؟ وغيّرت صوتي. فقال: «ألا أعجبك؟ لأمّك الويل، دخل عليّ رجل فضربني بالسيف» .
قال ابن عتيك: فعمدت له أيضا فأضربه أخرى فلم تغن شيئا. فصاح وقام أهله. ثم جئت وغيّرت صوتي كهيئة المغيث فإذا هو مستلق على ظهره فأضع ظبة السيف في بطنه ثم انكفئ عليها حتى سمعت صوت العظم فعرفت أني قتلته، ثم خرجت دهشا فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة له. وفي لفظ: حتى أتيت السّلّم أريد أن أنزل.
فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي- وفي رواية فانخلعت رجلي- فعصبتها بعمامة ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت: «النّجاء فقد قتل اللَّه أبا رافع» . وفي رواية: فقلت لهم: انطلقوا فبشّروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية فجلست على الباب حتى صاح الديك. وفي لفظ: فلما كان وجه الصبح صعد الناعية على السور فقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز. فقمت أمشي ما بي قلبة، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فبشرته. وفي رواية فحدّثته فقال لي: «ابسط رجلك» فبسطت
الصفحة 103
454