كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)

فمرّت بيسار تحت شجرة، فلما رأته ومرّت به وقد مات رجعت إلى قومها فأخبرتهم الخبر، فخرجوا حتى جاءوا بيسار إلى قباء ميتا. وعند مسلم: «وكان عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شباب من الأنصار قريب من عشرين فأرسلهم» . وفي رواية: «فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أثرهم عشرين فارسا سمّي منهم: سلمة بن الأكوع كما عند محمد بن عمر، وأبو رهم وأبو ذر الغفاريّان، وبريدة بن الحصيب، ورافع بن مكيث وأخوه جندب، وبلال بن الحارث، وعبد اللَّه بن عمرو ابن عوف المزنيّان، وجعال بن سراقة الثعلبي، وسويد بن صخر الجهني، وهؤلاء من المهاجرين.
فيحتمل إن يكون من لم يسمّه محمد بن عمر من الأنصار، فأطلق في رواية الأنصار تغليبا، أو قيل للجميع أنصار بالمعنى الأعم. واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري. وروى الطبراني وغيره من حديث جرير بن عبد اللَّه البجلي رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثه في آثارهم، وسنده ضعيف. والمعروف أن جريرا تأخّر قدومه عن هذا الوقت بنحو أربعة أعوام. وبعث معهم قائفا يقوف أثرهم ودعا عليهم فقال: «أعم عليهم الطريق واجعله عليهم أضيق من مسك جمل» . فعمّى اللَّه عليهم السبل، فأدركوا في ذلك اليوم فأخذوا. فلما ارتفع النهار جريء بهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وقال محمد بن عمر: فخرج كرز وأصحابه في طلبهم حتى أدركهم الليل فباتوا بالحرّة ثم أصبحوا ولا يدرون أين سلكوا فإذا بامرأة تحمل كتف بعير فأخذوها فقالوا: ما هذا؟ قالت:
مررت بقوم قد نحروا بعيرا فأعطوني هذه الكتف وهم بتلك المفازة إذا وافيتم عليها رأيتم دخانهم. فساروا حتى أتوهم حين فرغوا من طعامهم. فسألوهم أن يستأسروا فاستأسروا بأجمعهم لم يفلت منهم أحد.
فربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا المدينة فوجدوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالرغابة.
فخرجوا بهم نحو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال أنس كما عند ابن عمر: خرجت أسعى في آثارهم مع الغلمان حتى لقي بهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالرغابة بمجتمع السيول، فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها. وفي رواية فسمرهم. وفي رواية فسمر أعينهم. قال أنس كما عند مسلم: «إنما سمل النبي صلى اللَّه عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرّعاء» . وفي رواية: «فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمل أعينهم وتركهم في الحرّة حتى ماتوا» . وفي رواية: «وسمرت أعينهم وألقوا في الحرّة يستسقون فلا يسقون» . قال أنس: «فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه من العطش» . وفي رواية: «ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة حتى ماتوا ولم يحسمهم» قال أبو قلابة: «فهؤلاء قتلوا وسرقوا وكفروا بعد إسلامهم وحاربوا اللَّه ورسوله» .

الصفحة 116