كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)

الباب الرابع والثلاثون في بعثة صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن أمية الضمري رضي اللَّه تعالى عنه ليفتك بأبي سفيان بن حرب قبل إسلامه.
روى البيهقي عن عبد الواحد بن عوف وغيره قالوا إن أبا سفيان قال لنفر من قريش: ألا أحد يغترّ محمدا فإنه يمشي في الأسواق. فأتاه رجل من الأعراب فدخل عليه منزله فقال: «قد وجدت أجمع الرجال قلبا وأشدّهم بطشا وأسرعهم شدّا فإن أنت قوّيتني خرجت إليه حتى أغتاله ومعي خنجر مثل خافية النّسر، فأسوره ثم آخذ في عير فأسير وأسبق القوم عدوا فإني هاد بالطريق خريت» . قال: «أنت صاحبنا» .
فأعطاه بعيرا ونفقة وقال: «اطو أمرك» . فخرج ليلا فسار على راحلته خمسا وصبّح ظهر الحرّة صبح سادسة. ثم أقبل يسأل عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى دلّ عليه، فعقل راحلته ثم أقبل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في مسجد بني عبد الأشهل. فلما رآه النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إنّ هذا ليريد غدرا. واللَّه تعالى حائل بينه وبين ما يريد» . فذهب ليجني على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره، فإذا بالخنجر فسقط في يديه وقال: دمي دمي فأخذ أسيد بلببه فدعته،
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اصدقني ما أنت؟» قال: «وأنا آمن» . قال: «نعم» . فأخبره بأمره وما جعل له أبو سفيان.
فخلّى عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأسلم وقال: «يا محمد واللَّه ما كنت أفرق الرجال فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت نفسي، ثم اطلعت على ما هممت به مما سبقت به الرّكبان ولم يعلمه أحد فعرفت أنك ممنوع وأنك على حق وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان» . فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتبسّم. فأقام الرجل أياما يستأذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخرج ولم يسمع له بذكر [ (1) ] .
وروى الإمام إسحاق بن راهويه عن عمرو بن أمية رضي اللَّه تعالى عنه قال: «بعثني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبعث معي رجلا من الأنصار» - قال ابن هشام هو سلمة بن أسلم بن حريس اللَّه إلى أبي سفيان بن حرب وقال: «إن أصبتما فيه غرّة فاقتلاه» . وقال ابن إسحاق: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عمرا بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه وبعث معه جبّار بن صخر الأنصاري فخرجا حتى قدما مكة وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج. ثم دخلا مكة ليلا فقال جبّار- أو سلمة- لعمرو: «لو أنّا طفنا بالبيت وصلينا ركعتين» . فقال عمرو: «إن القوم إذا تعشّوا جلسوا بأفنيتهم وإنهم إن رأوني عرفوني فإني أعرف بمكة من الفرس الأبلق» . فقال: «كلا إن
__________
[ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 68.

الصفحة 123