كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)
شاء اللَّه» . فقال عمرو: «فأبى أن يطيعني» . [قال عمرو] : فطفنا بالبيت وصلّينا ثم خرجنا نريد أبا سفيان، فو اللَّه إنا لنمشي بمكة إذ نظر إلى رجل من أهل مكة فعرفني. قال ابن سعد: هو معاوية بن أبي سفيان. فقال معاوية: «عمرو بن أمية فو اللَّه إن قدمها إلا لشرّ» . فأخبر قريشا بمكانه فخافوه وطلبوه وكان فاتكا في الجاهلية وقالوا: «ولم يأت عمرو بخير» . فحشدوا له وتجمعّوا. قال عمرو: «فقلت لصاحبي: «النجاء» . فخرجنا نشتد حتى أصعدنا في جبل، وخرجوا في طلبنا حتى إذا علونا الجبل يئسوا منا فرجعنا فدخلنا كهفا في الجبل فبتنا فيه وقد أخذنا حجارة فرضمناها دوننا فلما أصبحنا غدا رجل من قريش. قال ابن سعد هو عبيد اللَّه بن مالك بن عبيد اللَّه التّميمي. قلت قال ابن إسحاق هو عثمان بن مالك أو عبد اللَّه. يقود فرسا له ويخلي عليها فغشينا ونحن في الغار، فقلت إن رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا. قال: ومعي خنجر قد أعددته لأبي سفيان فأخرج إليه فأضربه على ثديه ضربة وصاح صحيحة فأسمع أهل مكة، وأرجع فأدخل مكاني. وجاءه الناس يشتدّون وهو بآخر رمق فقالوا: من ضربك؟ فقال عمرو بن أمية: وغلبه الموت فمات مكانه ولم يدلل على مكاننا. ولفظ رواية إسحاق بن راهويه: فما أدركوا منه ما استطاع أن يخبرهم بمكاننا. فاحتملوه فقلت لصاحبي لما أمسينا: النّجاء.
فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة خبيب بن عدي، فقال أحدهم: «واللَّه ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو بن أمية لولا أنه بالمدينة لقلت هو عمرو بن أمية» . قال: فلما حاذى الخشبة شدّ عليها فاحتملها وخرجا شدّا، وخرجوا وراءه حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج، فرمى بالخشبة في الجرف فغيبّه اللَّه تعالى عنهم فلم يقدروا عليه.
ولفظ رواية ابن إسحاق: ثم خرجنا فإذا نحن بخبيب على خشبة فقال لي صاحبي:
«هل لك أن تنزل خبيبا عن خشبته؟» قلت: «نعم فتنحّ عني فإن أبطأت فخذ الطريق» فعمدت لخبيب فأنزلته عن خشبته، فحملته على ظهري، فما مشيت به عشرين ذراعا حتى نذر بي الحرس.
ولفظ ابن أبي شيبة، وأحمد بن عمرو: «فخلّيت خبيبا، فوقع إلى الأرض فانتبذت غير بعيد فالتفت فلم أر خبيبا وكأنما الأرض ابتلعته فما رئي لخبيب رمّة حتى الساعة» . قال:
«وقلت لصاحبي: «النجاء النجاء حتى تأتي بعيرك فتقعد عليه وكان الأنصاري لا رجلة له» . قال:
«ومضيت حتى أخرج على ضجنان، ثم أويت إلى جبل فأدخل كهفا فبينا أنا فيه إذ دخل على شيخ من بني الدّيل أعور في غنيمة له فقال: «من الرجل؟» فقلت: «من بني بكر فمن أنت؟» قال: «من بني بكر» . فقلت: «مرحبا» فاضطجع ثم رفع عقيرته فقال:
ولست بمسلم ما دمت حيّا ... ولا دان بدين المسلمينا
الصفحة 124
454