كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)
وذكر ابن عائذ فيهم: سهل بن بيضاء ولم يذكر سهيلا ولا خالدا ولا عكّاشة. وذكر ابن سعد فيهم المقداد بن عمرو- وهو الذي أسر الحكم بن كيسان- وقال ابن سعد: كانوا اثني عشر [من المهاجرين] كل اثنين يعتقبان بعيرا. وروى الطبراني بسند حسن عن زرّ [بن حبيش] رحمه الله تعالى قال: «أول راية رفعت في الإسلام راية عبد الله بن جحش» .
فانطلق عبد الله بن جحش حتى إذا كان مسيرة يومين فتح الكتاب فإذا فيه: «سر باسم الله وبركاته ولا تكرهنّ أحدا من أصحابك على السير معك، وامض لأمري فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة فترصّد عير قريش وتعلّم لنا أخبارهم» . فلما نظر في الكتاب قال: سمعا وطاعة.
وقرأه على أصحابه وقال: [قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة أرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر] وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم، فمن كان يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع. [فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم] » فقالوا أجمعون:
«نحن سامعون مطيعون لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولك، فسر على بركة الله» .
فسار ومعه أصحابه لم يتخلف منهم أحد، وسلك على الحجاز، حتى إذا كان بمكان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران أضلّ سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه، فتخلّفا في طلبه يومين، ولم يشهدا الموقعة، وقدما المدينة بعدهم بأيام. ومضى عبد الله بن جحش في بقية أصحابه حتى نزل بنخلة. فمرّت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش جاءوا بها من الطائف، فيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وأخوه نوفل بن عبد الله، وقيل بل أخوهما المغيرة، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة.
فلما رآهم أصحاب العير هابوهم وأنكروا أمرهم، وقد نزلوا قريبا منهم. فحلق عكاشة بن محصن رأسه، وقيل واقد بن عبد الله، ثم وافى ليطمئن القوم. فلما رأوه قالوا: لا بأس عليكم منهم، قوم عمّار. فأمنوا وقيّدوا ركابهم وسرحوها وصنعوا طعاما.
فاشتور المسلمون في أمرهم وذلك في آخر يوم من رجب ويقال أول يوم من شعبان وقيل في آخر يوم من جمادى الآخرة. فشكّوا في ذلك اليوم أهو من الشهر الحرام؟ أم لا.
فقالوا: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعنّ منكم به ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام. فتردد القوم وهابوا [الإقدام عليهم] . ثم شجّعوا أنفسهم. وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم.
فرمى واقد بن عبد اللَّه [التميمي] عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وشدّ المسلمون عليهم فأسروا عثمان بن عبد اللَّه بن المغيرة، والحكم بن كيسان، أسره المقداد بن عمرو،
الصفحة 17
454