كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)

وأعجز القوم نوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة، عند من يقول إنه كان معهم، ومن قال إن نوفلا لم يكن معهم جعل الهارب المغيرة.
وحاز المسلمون العير، وعزل عبد اللَّه بن جحش لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خمس تلك الغنيمة، وقسّم سائرها بين أصحابه، فكان أوّل خمس خمّس في الإسلام، وأوّل غنيمة، وأول قتيل بأيدي المسلمين عمرو بن الحضرمي، وأوّل أسير كان في الإسلام عثمان بن عبد اللَّه، والحكم بن كيسان.
وذلك قبل أن [يفرض الخمس من المغانم، فلما أحل اللَّه تعالى الفيء بعد ذلك وأمر بقسمه وفرض الخمس فيه] وقع على ما كان صنع عبد اللَّه بن جحش في تلك العير، وقال بعضهم: بل قدموا بالغنيمة كلها. وروى الطبراني بسند حسن عن زرّ [بن جيش] رضي اللَّه تعالى عنه قال: أول مال خمّس في الإسلام مال عبد اللَّه بن جحش.
ثم سار عبد اللَّه بالعير والأسيرين إلى المدينة، فلما قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» . فأوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا. ويقال أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أوقف غنائم، أهل نخلة حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم أهل بدر، وأعطى كل قوم حقهم. فلما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذلك سقط في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا وعنّفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا.
وقالت قريش: «قد استحلّ محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدماء، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال» . فقال: «من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة، إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان» ؟ وقال يهود تفاءل بذلك على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد اللَّه: عمرو، عمرت الحرب، والحضرمي حضرت الحرب، وواقد بن عبد اللَّه، وقدت الحرب» .
فجعل اللَّه تعالى ذلك عليهم لا لهم. فلما أكثر الناس في ذلك أنزل اللَّه تعالى على رسوله صلى اللَّه عليه وسلم: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ، قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة 217] . أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدّوكم عن سبيل اللَّه مع الكفر به وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند اللَّه من قتل من قتلتم منهم. وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وقد كانوا يفتنون المسلم في دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه فذلك أكبر عند اللَّه من القتل. فلما نزل القرآن بهذا الأمر، وفرّج اللَّه تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه من الشّفق قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الغنيمة أو خمسها والأسيرين.

الصفحة 18