كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)
وذكر ابن عائذ أن كعبا حالف قريشا عند أستار الكعبة على قتال المسلمين. وروي عن عروة أن قريشا قالت لكعب: أديننا أهدى أم دين محمد؟ قال: دينكم.
فلما بلغها هجاؤه نبذت رحله وقالت: ما لنا ولهذا اليهودي ألا ترى ما يصنع بنا حسّان؟
فتحوّل، فكلما تحول عند قوم دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حسّانا فقال: «ابن الأشرف نزل على فلان» .
فلا يزال يهجوهم حتى ينبذ رحله. فلما لم يجد مأوى قدم المدينة. انتهى.
قال ابن إسحاق: ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبّب بنساء المسلمين حتى آذاهم.
وروى عبد اللَّه بن إسحاق الخراساني في فموائده عن عكرمة أن كعبا صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أن يدعو النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى وليمة، فإذا حضر فتكوا به. ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه. فأعلمه جبرئيل عليه السلام بما أضمروه فرجع فلما فقدوه تفرّقوا. انتهى.
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اللهم اكفني بن الأشرف بما شئت في إعلانه الشّرّ» [ (1) ] .
وقال صلى اللَّه عليه وسلم، كما في الصحيح: «من لي بكعب بن الأشرف فقد آذى اللَّه ورسوله» [ (2) ] .
وفي رواية: «فقد آذانا بشعره وقوّى المشركين علينا» . فقال محمد بن مسلمة: أنا لك به يا رسول اللَّه، أنا أقتله. قال: «أنت له فافعل إن قدرت على ذلك» .
[وفي رواية عروة عند ابن عائذ فسكت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإن قلت (بهذا) احتمل أن يكون سكت أولا ثم أذن] . فرجع محمد بن مسلمة، فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما تعلق به نفسه. فذكر ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فدعاه فقال له: «لم تركت الطعام والشراب؟» فقال: يا رسول اللَّه قلت لك قولا لا أدري هل أفينّ لك به أم لا. فقال: «إنما عليك الجهد» .
وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «شاور سعد بن معاذ في أمره» فشاوره فقال له: توجّه إليه واذكر له الحاجة وسله أن يسلفكم طعاما.
فاجتمع [في قتله] محمد بن مسلمة، وعباد بن بشر، وأبو نائلة سلكان بن سلامة، والحارث بن أوس بن معاذ، بعثه عمّه سعد بن معاذ، وأبو عبس بن جبر، فقالوا: «يا رسول اللَّه نحن نقتله فأذن لنا فلنقل شيئا فإنه لا بدّ لنا من أن نقول:» . فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «قولوا ما بدا لكم فأنتم في حلّ من ذلك» .
فخرج أبو نائلة كما قال جلّ أئمة المغازي وكان أخا كعب من الرّضاعة. وفي الصحيح خرج إليه محمد بن مسلمة.
فلما رآه كعب أنكر شأنه وذعر منه. فقال أبو نائلة أو محمد بن مسلمة: حدثت حاجة.
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 191.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 390 (4037) ومسلم في كتاب الجهاد (119) وأبو داود (2768) .
الصفحة 26
454