كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)

فمضوا حتى انتهوا إلى حصن ابن الأشرف. وفي الصحيح: فقال محمد بن مسلمة- وفي كتب المغازي أبو نائلة- لأصحابه: «إذا ما رآكم كعب فإني قائل بشعره فأسمّه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه» .
فهتف أبو نائلة، وكان ابن الأشرف حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفة، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: «إنك امرؤ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة» .
فقال: «إنه ميعاد عليّ وإنما هو أخي أبو نائلة لو وجدني نائما لما أيقظني» . فقالت: «واللَّه إني لأعرف في صوته الشّرّ» . فكلّمهم من فوق البيت. وفي رواية: «أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدّم» .
قال: فقال لها كعب: «إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب» . ثم نزل إليهم متوشحا بملحفة وهو ينفح منه ريح الطيب. فجاءهم ثم جلس فتحدث معهم ساعة حتى انبسط إليهم.
فقالوا: «هل لك يا ابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث فيه بقية ليلتنا هذه؟» فقال: «إن شئتم» . فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة. فقال أبو نائلة: «نجد منك ريح الطّيب» .
قال: «نعم تحتي فلانة من أعطر نساء العرب» . قال: أفتأذن لي أن أشم [رأسك] ؟» قال: نعم.
فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب ثم شمّ يده فقال: «ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط» .
وإنما كان كعب يدهن بالمسك الفتيت بالماء والعنبر حتى يتلبّد في صدغيه وكان جعدا جميلا. ثم مشى أبو نائلة ساعة ثم عاد لمثلها [حتى اطمأن إليه وسلسلت يده في شعره] فأخذ بقرون رأسه وقال لأصحابه: «اضربوا عدوّ اللَّه» . فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا وردّ بعضها بعضا. ولصق بأبي نائلة. قال محمد بن مسلمة: «فذكرت مغولا كان في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا، فأخذته وقد صاح عدو اللَّه عند أول ضربة صيحة لم يبق حولنا حصن من حصون يهود إلا أوقدت عليه نار» . قال: «فوضعته في ثنّته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو اللَّه» .
وعند ابن سعد: فطعنه أبو عبس في خاصرته وعلاه محمد بن مسلمة [بالسيف] وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ فجرح في رجله، أصابه بعض أسياف القوم. فلما فرغوا حزّوا رأس كعب ثم خرجوا يتستّرون، وهم يخافون من يهود، الإرصاد حتى سلكوا على بني أمية بن زيد، ثم على قريظة، وإن نيرانهم في الحصون لعالية، ثم على بعاث، حتى إذا كانوا بحرّة العريض تخلّف الحارث فأبطأ عليهم فناداهم: «أقرئوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مني السلام» . فعطفوا عليه فاحتملوه حتى أتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فلما بلغوا بقيع الفرقد كبّروا.
وقد قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تلك الليلة يصلّي، فلما سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تكبيرهم بالبقيع

الصفحة 28