كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)
كبّر وعرف أن قد قتلوه. ثم أتوه يعدون حتى وجدوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واقفا على باب المسجد.
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أفلحت الوجوه» . فقالوا: «ووجهك يا رسول اللَّه» ورموا برأسه بين يديه. فحمد اللَّه تعالى على قتله. ثم أتوا بصاحبهم الحارث، فتفل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على جرحه فلم يؤذه، فرجعوا إلى منازلهم.
فلما أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه» [ (1) ] .
فخافت اليهود، فلم يطلع عظيم من عظمائهم وخافوا أن يبيّتوا كما بيّت ابن الأشرف.
وعند ابن سعد: فأصبحت اليهود مذعورين فجاؤوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا: قتل سيدنا غيلة، فذكّرهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صنيعة، وما كان يحضّ عليهم ويحرّض في قتالهم ويؤذيهم.
ثم دعاهم إلى أن يكتبوا بينه وبينهم صلحا [أحسبه] . فكان ذلك الكتاب مع علي رضي اللَّه تعالى عنه بعد.
تنبيهات
الأول: قال العلماء ورحمهم اللَّه تعالى «في حديث كعب بن الأشرف دليل على جواز قتل من سبّ سيدنا محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أو انتقصه أو آذاه، سواء أكان بعهد أم بغير عهد، ولا يجوز أن يقال إن هذا كان غدرا وقد قال ذلك رجل كان في مجلس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه، فضرب عنقه. وإنما يكون الغدر بعد أمان، وهذا نقض العهد، وهجا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وسبّه. وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاهده ألّا يعين عليه أحدا، فنقض كعب العهد، ولم يؤمنه محمد بن مسلمة ولا رفقته بحال، وإنما كلمه في أمر البيع والرهن إلى أن تمكّن منه.
الثاني: وقع في صحيح مسلم في قول كعب بن الأشرف: «إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة» [ (2) ] . قال القاضي [عياض] قال لنا شيخنا القاضي الشهيد: صوابه أن يقول: «إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعة أبو نائلة» أي بإسقاط الواو، كذا ذكر أهل السّير أن أبا نائلة كان رضيعا لمحمد بن مسلمة» . ووقع في صحيح البخاري: «ورضيعي أبو نائلة» [ (3) ] .
قال: «وهذا له عندي وجه إن صحّ أنه كان رضيعا لكعب.
الثالث: وقع في الصحيح أن الذي خاطب كعبا هو محمد بن مسلمة وجلّ أهل المغازي على أنه أبو نائلة وأومأ الدمياطي إلى ترجيحه، قال الحافظ: ويحتمل بجمع أن يكون
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي 3/ 256 والحاكم 3/ 434 وعبد الرزاق (5382) وانظر البداية والنهاية 4/ 139.
[ (2) ] أخرجه مسلم في باب قتل كعب بن الأشرف في الموضع السابق.
[ (3) ] في البخاري في كتاب المغازي باب قتل كعب بن الأشرف (4037) .
الصفحة 29
454