كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)
الباب الثالث عشر في سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد رضي اللَّه تعالى عنه إلى قطن في أول المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
وسببها إن رجلا من طيء اسمه الوليد بن زهير بن طريف قدم المدينة زائرا ابنة أخيه زينب، وكانت تحت طليب بن عمير بن وهب، فأخبر أن طليحة، وسلمة ابني خويلد تركهما قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوانهم لحرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فنهاهم قيس بن الحارث بن عمير. فقال: «يا قوم واللَّه ما هذا برأي، ما لنا قبلهم وتر، وما هم نهبة لمنتهب [إن دارنا لعبيدة من يثرب، وما لنا جمع كجمع قريش، مكثت قريش دهرا تسير في العرب تستنصرها، ولهم وتر يطلبونه، ثم ساروا قد امتطوا الإبل وقادوا الخيل وحملوا السلاح مع العدد الكثير، ثلاثة آلاف مقاتل سوى أتباعهم] وإنما جهدكم أن تخرجوا في ثلاثمائة رجل إن كملوا فتفرّون بأنفسكم وتخرجون من بلادكم [ولا آمن من أن تكون الدّبرة عليكم] فعصوه.
فلما بلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعا أبا سلمة رضي اللَّه تعالى عنه وقال: «أخرج في هذه السرية فقد استعملتك عليها» . وعقد له لواء، وقال: «سر حتى ترد أرض بني أسد بن خزيمة، فأغر عليهم قبل أن تلاقى عليكم جموعهم» .
وأوصاه بتقوى اللَّه تعالى وبمن معه من المسلمين خيرا. فخرج معه في تلك السرية خمسون ومائة رجل، ومعه الرجل الطائي دليلا، فأغذّ السير ونكب بهم عن سنن الطريق، وسار بهم ليلا ونهارا فسبقوا الأخبار وانتهوا إلى ذي قطن: ماء من مياه بني أسد وهو الذي كان عليه جمعهم. فأغاروا على سرح لهم فضمّوه وأخذوا رعاء لهم مماليك ثلاثة وأفلت سائرهم. فجاؤوا جمعهم فأخبروهم الخبر وحذروهم جمع أبي سلمة، وكثّروه عندهم، فتفرّق الجمع في كل وجه، وورد أبو سلمة الماء، فوجد الجمع قد تفرّق. فعسكر وفرّق أصحابه في طلب النّعم والشّاء. فجعلهم ثلاث فرق. فرقة أقامت معه وفرقتان أغارتا في ناحيتين شتى وأوعز إليهما ألا يمعنوا في الطلب وألا يبيّتوا إلا عنده إن سلموا، وأمرهم ألا يفترقوا واستعمل على كل فرقة عاملا منهم فآبوا إليه جميعا سالمين قد أصابوا إبلا وشاء ولم يلقوا أحدا. فانحدر أبو سلمة بذلك كله راجعا إلى المدينة ورجع معه الطائي.
فلما ساروا ليلة قسّم أبو سلمة الغنائم وأخرج صفيّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عبدا وأخرج الخمس وأعطى الطائي الدليل رضاه من المغنم ثم قسم ما بقي بين أصحابه فأصاب كل إنسان سبعة أبعرة، وقدم بذلك إلى المدينة ولم يلق كيدا. وذكر أبو عمر، وأبو عبيدة أن مسعود بن عروة قتل في هذه السرية.
الصفحة 34
454