كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)
عنهما قال: «لما أصيبت السريّة التي كان فيها مرثد وعاصم بالرجيع قال رجال من المنافقين:
يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا، لا هم قعدوا في أهليهم ولا هم أدّوا رسالة صاحبهم» . فأنزل اللَّه عز وجل في ذلك من قول المنافقين: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ [البقرة 204] وهو مخالف لما يقوله بلسانه، وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ [البقرة 204] ، أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك وَإِذا تَوَلَّى أي خرج من عندك سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ [البقرة 205] أي لا يحب عمله ولا يرضاه. وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ [البقرة 206] . كذا ذكر ابن إسحاق أن هذه الآيات نزلت في شأن هذه السرية، وذكر غيره أنها نزلت في الأخنس بن شريق واللَّه تعالى أعلم.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ أي يبيع نفسه في الجهاد ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ [البقرة 207] قالوا نزلت هذه الآية في صهيب رضي اللَّه تعالى عنه.
تنبيهات
الأول: وقع في الصحيح في حديث: «وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر» .
واعتمد على ذلك البخاري، فذكر خبيب بن عدي فيمن شهد بدرا قال في الفتح وهو اعتماد متجه. وتعقب الحافظ أبو محمد الدمياطي، وتبعه في العيون بأن أهل المغازي لم يذكر أحد منهم أن خبيب بن عدي ممن شهد بدرا ولا قتل الحارث بن عامر، إنما ذكروا أن الذي قتل الحارث بن عامر ببدر هو خبيب بن إساف، وهو غير خبيب بن عدي وهو خزرجي، وخبيب بن عديّ أوسي. قال الحافظ: «ويلزم من الذي قال ذلك ردّ هذا الحديث الصحيح، فلو لم يقتل خبيب بن عدي الحارث بن عامر، ما كان لاعتناء آل الحارث بن عامر بأسر خبيب معنى، ولا بقتله مع التصريح في الحديث الصحيح أنهم قتلوه به. ولكن يحتمل أن يكونوا قتلوا خبيب بن عدي لكون خبيب بن إساف- بهمزة مسكورة وقد تبدل تحتية وبسين مهملة- قتل الحارث بن عامر، على عادتهم في الجاهلية بقتل بعض القبيلة عن بعض، ويحتمل أن يكون خبيب بن عدي شرك في قتل الحارث والعلم عند اللَّه.
الثاني: قال أبو هريرة كما في الصحيح: «فكان أول من سنّ الركعتين عند القتل» وجزم بذلك خلائق لا يحصون. وقدمه في الإشارة ثم قال: وقيل أسامة بن زيد حين أراد المكري الغدر به، قلت كذا في نسختين من الإشارة: أسامة، وصوابه زيد بن حارثة والد أسامة كما في الروض: «قال أبو بكر بن أبي خيثمة حدثنا يحيى بن معين قال أخبرنا يحيى [بن عبد اللَّه] بن بكير قال حدثنا الليث بن سعد رحمه اللَّه تعالى قال: «بلغني أن زيد بن حارثة اكترى من رجل
الصفحة 46
454