كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)

الباب السابع عشر في سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه إلى القرطاء
[وهي بطون من بني بكر من قيس عيلان] وكانوا ينزلون البكرات بناحية ضريّة، على رأس تسعة وخمسين شهراً من الهجرة.
روى محمد بن عمر بن جعفر بن محمود قال: قال محمد بن مسلمة: خرجت لعشر ليال خلون من المحرم فغبت عشرين ليلة إلا ليلة وقدمت المدينة لليلة بقيت من المحرم.
وروى محمد بن عمر عن شيوخه، وابن عائذ عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث محمد بن مسلمة في ثلاثين رجلا ركبانا، فيهم عباد بن بشر، وسلمة بن سلامة بن وقش، والحارث بن خزيمة إلى بني بكر بن كلاب، وأمره أن يسير الليل ويكمن النهار، وأن يشنّ الغارة عليهم حتى إذا كان بالشّربّة لقي ظعنا فأرسل رجلا من أصحابه يسأل: من هم؟ فذهب الرجل ثم رجع إليه فقال: قوم من محارب. فنزلوا قريبا منه وحلوا وروحوا ماشيتهم فأمهلهم حتى إذا عطنوا أغار عليهم فقتل نفرا منهم وهرب سائرهم، فلم يطلب من هرب واستاق نعما وشاء ولم يتعرّض للظّعن. ثم انطلق حتى إذا كان بموضع يطلعه على بني بكر بعث عائذ بن بسر إليهم فأوفى على الحاضر فأقام. وخرج محمد في أصحابه فشنّ عليهم الغارة فقتل منهم عشرة واستاقوا النّعم والشاء، ثم انحدر إلى المدينة فما أصبح إلا بضريّة مسيرة ليلة أو ليلتين، ثم حدر بالنّعم وخاف الطلب فطرد الشاء أشد الطرد فكانت تجري معهم كأنها الخيل حتى بلغ العدّاسة فأبطأ عليهم الشاء بالرّبذة فخلّفه مع نفر من أصحابه وطرد النّعم، فقدم المدينة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ووصل بعده الشاء فخمّس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما جاء به ثم فضّ على أصحابه ما بقي فعدلوا الجزور بعشر من الغنم. وذكر البلاذري والحاكم إنها كانت في المحرم سنة ست وأن ثمامة بن أثال الحنفي أخذ فيها، وذكر حديث إسلامه.
روى الشيخان والبخاري مختصرا ومسلم مطوّلا وابن إسحاق عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: «أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيّد أهل اليمامة ولا يشعرون من هو حتى أتوا به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: «أتدرون من أخذتم؟ هذا ثمامة بن أثال الحنفي، أحسنوا إسارة» . فربطوه بسارية من سواري المسجد» .
وروى البيهقي عن ابن إسحاق أن ثمامة كان رسول مسيلمة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل ذلك وأراد اغتياله، فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ربه تبارك وتعالى أن يمكنه منه، فدخل المدينة معتمرا وهو مشرك فدخل المدينة حتى تحيّر فيها فأخذ، انتهى. ورجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى أهله فقال:
«اجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به إليه» . وأمر بلقحته أن يغدى عليه بها وبراح، فجعل

الصفحة 71