كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 6)

الباب الثلاثون في سرية زيد بن حارثة رضي اللَّه تعالى عنهما إلى وادي القرى أيضا في رمضان سنة ست
قال موسى بن عائذ رحمه اللَّه تعالى: أخبرني الوليد بن مسلم عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة رضي اللَّه تعالى عنه قال: ارتثّ زيد بن حارثة من وسط القتلى. وقال محمد بن عمر: حدثنا عبد اللَّه بن جعفر عن عبد اللَّه بن حسين بن حسن علي بن أبي طالب قال: خرج زيد بن حارثة رضي اللَّه عنهما في تجارة إلى الشام وأبضع معه جماعة من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فلما كان دون وادي القرى ومعه ناس من أصحابه لقيه ناس كثيرون من بني فزارة من بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه حتى ظنوا أنهم قد قتلوا، وأخذوا ما معهم. فقدموا المدينة ونذر زيد بن حارثة ألا يمسّ رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة. فلما استبلّ من جراحته
بعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سريّة وقال لهم: «أكمنوا النهار وسيروا الليل» .
فخرج بهم دليل من بني فزارة وقد نذرت بنو بدر، فكانوا يجعلون ناظورا لهم حين يصبحون فينظر على جبل مشرف وجه الطريق الذي يرون أنهم يؤتون منه، فينظر قدر مسيرة يوم، فيقول اسرحوا فلا بأس عليكم.
فإذا أمسوا وكان العشاء أوفى على منظره ذلك فينظر مسيرة ليلة فيقول: ناموا فلا بأس عليكم هذه الليلة.
فما كان زيد بن حارثة وأصحابه على نحو مسيرة ليلة، أخطأ بهم الطريق دليلهم فأخذ بهم طريقا أخرى حتى أمسوا وهو على خطأ ففرجوا خطاهم، ثم صمدوا لهم في الليل حتى صبّحوهم، فأحاطوا بالحاضر، ثم كبّر وكبّر أصحابه. وخرج سلمة بن الأكوع رضي اللَّه عنه يطلب رجلا منهم حتى قتله وقد كان أمعن في طلبه. وقتل قيس بن المسحّر النعمان [وعبيد اللَّه] ابني مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر، وأسر عبد اللَّه بن مسعدة، وأخذت جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر وأمها أم قرفة واسمها فاطمة بنت ربيعة بن بدر وكانت عند حذيفة بن بدر، وهي عجوز كبيرة كانت في بيت شرف من قومها. وكانت العرب تقول: «لو كنت أعزّ من أم قرفة [ما زدت] لأنها كانت تعلق في بيتها خمسين سيفا كلهم لها ذو محرم.
وكان لها اثنا عشر ولدا كما في الزهر، كنّيت بابنها قرفة قتله النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وسائر بنيها قتلوا مع طليحة في الردّة فلا خير فيها ولا في بنيها. فأمر زيد بن حارثة بقتل أم قرفة لسبّها سيدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقتلت قتلا عنيفا.
قال محمد بن عمر، وابن سعد: ولما قدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك قرع باب النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقام إليه عريانا يجرّ ثوبه حتى اعنقه وقبّله فأخبره زيد بما ظفّره اللَّه تعالى به.

الصفحة 99