كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 10)

وأما أن جمعا جما رآه في المنام فلم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة فليس بلازم لاحتمال أن يكونوا رأوه وكتموا ذلك، إذ لم يقولوا ما رأيناه وقد ألف شيخنا- رحمه الله تعالى- في ذلك مؤلفا حافلا سماه تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك وأنا أذكر مقاصده هنا.
فقال بعد أن ذكر الأحوال السابقة وقال قوم: هو على ظاهره فمن رآه في النوم فلا بد أن يراه في اليقظة يعني: بعين رأسه، وقيل: بعين في قلبه حكاهما القاضي أبو بكر العربي.
وقال الإمام أبو محمد بن أبي جمرة في (تعليقه) [ (1) ] على الأحاديث التي انتقاها من البخاري هذا الحديث يدل على أن من رآه صلى الله عليه وسلم في النوم فسيراه في اليقظة وهل هذا على عمومه في حياته وبعد مماته أو هذا في حياته؟ وهل ذلك لكل من رآه مطلقا أو خاص بمن فيه الأهلية والاتباع لسنته- عليه الصلاة والسلام-، واللفظ على العموم ومن يدعي الخصوص فيه بغير مخصص منه صلى الله عليه وسلم فمتعسف ثم ذكر ما تقدم نقله عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- ثم قال فذكر عن السلف والخلف وهلم جرا عن جماعة ممن كانوا رأوه صلى الله عليه وسلم في النوم وكانوا مما يصدقون بهذا الحديث فرأوه بعد ذلك يقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوشين فأخبرهم بتفريجها ونص لهم على الوجوه التي منها يكون فرجها فجاء الأمر كذلك بلا زيادة ولا نقص.
قال: والمنكر لهذا لا يخلو إما أن يصدق بكرامات الأولياء، أو يكذب بها، فإن كان ممن يكذب بها فسقط البحث معه فإنه يكذب ما أثبتته السنة بالدلائل الواضحة، وإن كان مصدقا بها فهذه من ذلك القبيل، لأن الأولياء يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء في العالمين العلوي والسفلي عديدة فلا ينكر هذا مع التصديق بذلك انتهى.
قال الشيخ: وقوله إن ذلك عام وليس بخاص بمن فيه الأهلية والاتباع لسنته- عليه الصلاة والسلام- مراده وقوع الرؤية الموعود بها في اليقظة على الرؤية في المنام ولو مرة واحدة، تحقيقا لوعده الشريف الذي لا يخلف وأكثر ما يقع ذلك للعامة قبيل الموت عند الاحتضار فلا تخرج روحه من جسده حتى يراه في المنام ولو مرة وفاء بوعده، وأما غيرهم فتحصل لهم الرؤية طول حياتهم، إما كثيرا وإما قليلا بحسب اجتهادهم ومحافظتهم على السنة والإخلال بالسنة مانع كبير وقال الغزالي في كتابه «المنقذ من الضلال» ثم إنني لما فرغت من العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية والقدر الذي أذكره لينتفع به إني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرهم وسيرتهم أحسن السير وطريقتهم أحسن الطرق وأخلاقهم أذكى الأخلاق بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء
__________
[ (1) ] في ج تعاقبه.

الصفحة 465