كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 10)

كثيرة من ذلك أكثر ما تقع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بالقلب ثم يترقى إلى أن يرى بالبصر وقد تقدم الأمر أن في كلام القاضي أبي بكر بن العربي لكن ليست الرؤية البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض وإنما هي جمعية حالة وبرزخية وأمر وجداني لا يدرك حقيقته إلا من باشر وهل الرؤية لذات المصطفى صلى الله عليه وسلم بجسمه وروحه أو لمثاله؟ الذين رأيتهم من أرباب الأحوال يقولون بالثاني وبه صرح الغزالي فذكر كلامه السابق أولا، قال: فصل القاضي أبو بكر بن العربي فقال رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال، وهذا الذي قاله في غاية الحسن ولا يمتنع رؤية ذاته الشريف بجسده وروحه وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء أحياء ردت إليهم أرواحهم كما سيأتي بيان ذلك في باب حياته في قبره صلى الله عليه وسلم وذكر الوفاة ثم قال الشيخ فإن قال قائل يلزم على هذا إثبات الصحبة لمن رآه؟
والجواب أن ذلك ليس بلازم أما إن قلنا بأن المرئي المثال فواضح، لأن الصحبة إنما ثبتت برؤية ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم جسدا وروحا، وإن قلنا: المرئي الذات فشرط الصحبة أن يراه في عالم الملكوت وهذه الرؤية لا تثبت صحبته ويؤيد ذلك أن الأحاديث وردت بأن جميع أمته عرضوا عليه فرآهم ورأوه، ولم تثبت الصحبة للجميع، لأنها رؤية في عالم الملكوت فلا تقيد الصحبة، والحاصل مما تقدم من الأجوبة ستة.
أحدها: التشبيه والتمثيل دل عليه قوله في الرواية الأخرى «فكأنما رآني في اليقظة» .
ثانيهما: أن معناه سيراني في اليقظة وتأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير.
ثالثها: أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه.
رابعها: المراد أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكنه ذلك وهو أبعد المحامل كما قال الحافظ.
خامسها: أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية لا مطلق من يراه حينئذ من لم يره في المنام.
سادسها: يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبه وقال القرطبي قد تقرر أن الذي يرى في المنام أمثلة للمرئيات لا أنفسها، غير أن الأمثلة تارة تقع مطابقة وتارة يقع معناها، فمن الأول رؤياه صلى الله عليه وسلم لعائشة وفيه «فإذا هي أتت» فأخبر أنه رأى في اليقظة ما رآه في نومه بعينه.
ومن الثاني: رؤيا البقر التي تخر المذكورة في قصة أحد، والمقصود بالثاني التنبيه على معاني تلك الأمور.
ومن فوائد رؤيته- صلى الله عليه وسلم- تسكين شوق الرائي لكونه صادقا في محبته ليعمل على مشاهدته والى تلك الإشارة

الصفحة 468