كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (اسم الجزء: 11)

فقالت: فأما البكر فابنة أحبّ الخلق إليك عائشة بنت أبي بكر، وأمّا الثّيّب فسودة بنت زمعة- رضي الله تعالى عنها- قد آمنت بك، واتّبعتك، قال صلى الله عليه وسلّم: فاذهبي، فاذكريهما عليّ، فأتيت أمّ رومان، فقلت: يا أم رومان، ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قلت: رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يذكر عائشة، قالت: وددتّ، انتظري أبا بكر، فإنّ أبا بكر آت، قالت: فجاء أبو بكر، فذكرت ذلك له فقال: أو تصلح وهي، وفي لفظ:
إنما هي ابنة أخيه، فرجعت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكرت له ذلك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ارجعي إليه وقولي له: «إنّما أنا أخوه وهو أخي» ، وفي لفظ: فقولي: أنت أخي وأنا أخوك في الإسلام وابنته وفي لفظ: وابنتك تصلح لي،
قال: انتظري، قالت: وقام أبو بكر، فقالت لي أمّ رومان: إنّ المطعم بن عديّ قد كان ذكرها على ابنه، والله، ما أخلف أبو بكر وعدا قطّ، قالت: فأتى أبو بكر المطعم بن عديّ وعنده امرأته أم أهنى، فقال: ما تقول في أمّ هذه الجارية؟ فأقبل على امرأته، فقال: ما تقولين؟ قالت: فأقبلت على أبي بكر، فقالت: لعلّنا إن أنكحنا هذا الصّبيّ إليك تصبئه، وتدخله في دينك والذي أنت عليه، فأقبل أبو بكر عليه، فقال: ما تقول أنت؟ قال: إنه أقول ما تسمع. فقام أبو بكر ليس في نفسه شيء من الوعد، فقال لخولة: قولي- وفي لفظ «ادعي» - لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فليأت، فدعته، قالت: فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فملكها، قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: فتزوّجني ثم لبثت سنتين، فلما قدمنا المدينة نزلنا بالسنح في دار بني الحارث بن الخزرج، قالت: فإني لأرجّح بين عزقتين وأنا ابنة تسع، فجاءت أمي من الأرجوحة ولي جميمة، ثم أقبلت تقودني حتّى وقفت عند الباب وإني لا لهج فمسحت وجهي بشيء من ماء وفرّقت جميمة كانت لي، ثم دخلت بي على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وفي البيت رجال ونساء، فأجلستني في حجرة، ثم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله فبارك الله لك فيهن وبارك لهنّ فيك! قالت: فقام الرجال والنساء وبنى بي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولا والله! ما نحرت عليّ من جزور ولا ذبحت من شاة ولكن جفنة كان يبعث بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من عند سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
روى الشيخان وابن حبان عنها قالت: تزوّجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا بنت ستّ سنين فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث من الخزرج فوعكت فتمزّق شعري فوقي جميمة، فأتتني أمّي أمّ رومان وأنا لفي أرجوحة ومعي صواحب لي، لا أدري ما يريد مني حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لألهج وقلت: هه هه حتى ذهب بعض نفسي وأخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم دخلت بي الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن فغسلن رأسي وأصلحن من شأني فلم يرعني

الصفحة 166