كتاب البديع في نقد الشعر
والتشبيه. ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان زهير لا يعاظل الكلام ولا يقصد الوحشي منه ولا يمدح الرجل إلا بما يكون للرجال.
وقد يكون الشاعر مقصراً ولا يكون مخطئاً. لأنه لا يمكنه الإحاطة بكل شيء.
ويحب أن يمدح كل واحد بما يصلح له، كما قال زهير:
من يلقَ يوماً على علاته هرماً ... يلقَ السماحةَ منهُ والندى خلقا
ليثٌ بعثرَ يصطاد الرجالَ، إذا ... ما الليثُ كذبَ عن أقرانه صدقا
يطعنهم ما ارتموا حتى إذا طعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا عنقا
لو نالَ حيٌّ من الدنيا بمكرمةٍ ... أفقَ السماءِ لنالت كفه الأفقا
ولا يمدح لكثرة الأولاد؛ لأن الحيوان الكريم أعز نتاجا مثل قوله:
بغاثُ الطيرِ أكثرها نتاجاً ... وأمُ الصقر مقلاةٌ نذورُ
وليمدح بالجود وقلة المال مثل قوله:
وإني لا أخزى إذا قيلَ: مملقٌ ... جوادٌ، وأخشى أن يقال: بخيل
وقوله أيضاً:
فما كان من خير أتوهُ، فإنما ... توارثه آباءُ آبائهم قبلُ
وهل ينبتُ الخطيَّ إلاَّ وشيجه ... وتغرسُ إلاَّ في منابتها النخلُ
ومثل قوله:
إني سترحل بالمطيّ قصائدي ... حتى تحلَّ على بني ورقاء
مدحٌ لهم يتوارثون ثناءها ... رهناً لآخرهم فطول بقاءِ
حلماءُ في النادي إذا ما جئتهم ... جهلاءُ يومَ عجاجةٍ ولقاءِ
الصفحة 290
304