كتاب فضائل بيت المقدس لابن المرجى المقدسي

فقالوا: أنت نبينا، وأنت أنظر لنا من أنفسنا، فاختر لنا. فقال: أما الجوع فإنه بلاء فاضح، لا يصبر عليه أحد، وأما العدو والموت فإني أخيركم، فإن اخترتم تسليط العدو عليكم فلا بقية لكم، والموت بيد الله تعالى، تموتون بآجالكم، وفي بيوتكم، ففوضوا ذلك إلى الله تعالى، فهو أرحم بكم.
فاختار لهم الطاعون، وأمرهم أن يتجهزوا، ويلبسوا أكفانهم، ويخرجوا بنسائهم وإمائهم وأولادهم أمامهم، وهم خلفهم على صخرة بيت المقدس، والصعيد الذي بني عليه بيت المقدس، وهو يومئذ صعيد. فنادى: يا رب إنك أمرتنا بالصدقة، وأنت تحب المتصدقين، فتصدق علينا برحمتك، اللهم إنك أمرتنا أن نعتق الرقاب، وأنت تحب من يعتق الرقاب، فنسألك برحمتك أن تعتقنا اليوم، اللهم وقد أمرتنا أن لا نرد السائل إذا وقف على أبوابنا، وأنت تحب من لا يرد السائل، فجئناك سائلين فلا تردنا. ثم خروا سجداً من حيث انفجر الصبح.
فسلط الله تعالى عليهم الطاعون إلى أن زالت الشمس، ثم رفعه عنهم، ثم أوحى الله تعالى إلى داود: ارفوا رءوسكم فقد شفعتك فيهم. فرفع داود رأسه، ثم نادى: ارفعوا رءوسكم، فرفعوا رءوسهم، وقد مات منهم مائة ألف، وسبعون ألفاً أصابهم الطاعون، وهم سجود، فنظروا إلى ملائكة يمشون بينهم، بأيديهم الخناجر، فرفع الله عنهم الطاعون، ثم عمد داود فارتقى الصخرة، وظل يومه إلى الليل رافعاً يديه، يحدث لله شكراً.
ثم إنه جمعهم بعد ذلك فخطبهم، وقال: إن الله تعالى قد رحمكم وعفا عنكم، فأحدثوا لله شكراً بقدر ما أبلاكم. قالوا: مرنا نفعل. قال: إني لا أعلم أمراً أبلغ في شكركم من بناء مسجد على [هذا] الصعيد الذي رحمكم

الصفحة 12