كتاب فضائل بيت المقدس لابن المرجى المقدسي

أقطع بها الصخر، فإني أكره صوت الحديد في مسجدنا هذا وصريره، والذي أمرنا الله به من ذلك هو الوقار والسكينة. فقال العفريت: اتبع لي وكر عقاب، فإني لا أعلم في السماء طيراً أشد من العقاب، ولا أكثر منه حيلة، فوجدوا وكر عقاب، فغطى عليه ترساً من حديد غليظاً، فجاءه العقاب فنفخه برجله؛ ليقطعه فلم يقدر عليه، فحلق في السماء متطلعاً، فلبث يومه وليلته، ثم أقبل ومعه قطعة من السامور معترضاً، فتفرقت له الشياطين حتى أخذوه منه، فأتوا به سليمان، فكان يقطع به الصخر.
وعمل سليمان بيت المقدس عملاً لا يوصف، ولا يبلغ كنهه أحدٌ، وزينه بالذهب والفضة والدر والياقوت والمرجان، وألوان الجواهر في سمائه وأرضه وأبوابه وجدرانه وأركانه، شيئاً لم ير مثله، ولم يعلم يومئذ في الأرض موضع مال أعظم منه، ولا عرضٌ من عروض الدنيا أكثر منه، فتسامعت الخلائق به وشهرته، فكان نصب أعينهم، ولكنهم لم يكونوا يرمونه مع سليمان عليه السلام، ولا يحدثون به أنفسهم. فلما رفع سليمان يده من البناء بعد فراغه وإحكامه، جمع الناس وأخبرهم أنه مسجد لله عز وجل، وهو أمره ببنائه، وأن كل شيء فيه لله تعالى، من انتقصه أو شيئاً منه فقد خان الله عز وجل، وأن داود عهد إلى ذلك من قبل، وأوصى بذلك من بعده.

الصفحة 22