كتاب فضائل بيت المقدس لابن المرجى المقدسي

غزاهم بعد ذلك بخت نصر، فرغبوا إلى الله تعالى وتابوا، فرده الله تعالى عنهم بعد أن فتح المدينة، وجالوا في أسواقها جولة، وهذه المرة الأولى التي ذكرها الله تعالى، فقال: {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً. ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين}. ثم أحدثوا بعد ذلك أيضاً، فبعث الله إليهم أرميا النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرهم بغضب الله تعالى عليهم، فقام فيهم بوحي الله تعالى فضربوه وقيدوه وسجنوه.
وكان قال لملكها: أيها الملك، إني أرسلت إليك، إن قومك [قد] عبدوا الأصنام، وتركوا أمر الله تعالى، وإن الله عز وجل معذبكم إن لم تتركوا ما أنتم فيه. فأمر به فحفر له جب وصب فيه الماء حتى أنتن وعاد حمأةً، فسجنه يوماً وليلة قائماً إلى ركبتيه، لا يستطيع أن يقعد في أبرد أرض الله، فتكلم في الجب فقال: ملعون اليوم الذي ولدت فيه، ملعون من بشر والداً بولده، أو كما قال: فسمعه رجل كان يجالس الملك، فقال للملك: أرأيتك هذا الرجل الذي حبسته [في الجب] ما تريد منه، أتريد قتله؟ قال: لا. قال: فأخرجه إلى بعض سجونك هذه حتى تنظر في أمره. فأخرجه من الجب بعد يوم وليلة، والجب في بيت المقدس إلى اليوم، ظاهر معروف يعرف بجب أرميا.
ثم إن أرميا -عليه السلام- قال: لا تردني إلى هذا الجب وأفعل ما تريد. قال: فوضعه في السجن، وكان يطعمه كل يوم قرصًا ويسقيه من الماء حتى نحل جسمه وطال شعره.
ثم إن الله عز وجل أرسل إليه النمل، فكلمته في سجنه فقلن له: إن الله

الصفحة 31