كتاب فضائل بيت المقدس لابن المرجى المقدسي

حتى خرج الدم من القرية سائلاً، فقال لبخت نصر: قد قتلت حتى خرجت الدماء من القرية، فأمره أن يقطع.
وهي الكرة الأخيرة التي ذكرها الله تعالى فقال: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرًا}. فصلب من صلب وأحرق، وباع ذراريهم ونساءهم، ومثل بهم كل مثلة، وسارت طائفة منهم إلى مصر ولجؤوا إلى ملكها، فسار بخت نصر إلى ملك مصر فاقتتلا، وظفر به بخت نصر فأسره، وأسر بني إسرائيل، وقتل جنوده، ثم لحق بأرض بابل وأقام أرميا بأرض مصر، واتخذ جنينة وزرع فيها بقلاً يعيش منه، وأوحى الله إليه: إن لك لهمًّا وشغلاً عن الزرع والمقام بأرض الكفر، وكيف تسعك أرض أو تحملك مع ما تعلم من سخطي على بني إسرائيل، فليحزنك هذا البلاء الذي قضيته على إيلياء وأهلها، وأنه ليس زمن العمران، ولكنه زمن الخراب، فاعمد إلى جنينتك هذه فاهدم جدرها، وانتف بقلها، وغور نهرها، والحق بإيلياء، ولتكن بلادك حتى يبلغ الكتاب أجله. فخرج أرميا مذعورًا خائفًا، وذلك في زمن الثمار، فركب أتانًا له وتزود سلةً فيها عنب وتين، واتخذ سقاءً جديدًا فملأه ماءً، وفتل حبلاً جديدًا فرسن به أتانه، ثم انطلق حتى رفع له شخص بيت المقدس، فرأى خرابًا عظيمًا لا يوصف، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام (ثم بعثه)، وابتعث الله ملكًا من ملوك فارس -يقال له: كوشك- فعمرها، وأحياه الله تعالى وقيل له: انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه.

الصفحة 34