كتاب فضائل بيت المقدس لابن المرجى المقدسي

بأورشلم -يعني: بيت المقدس- وسكانها جميع ما وعدتهم من اللعنات المكتوبات في التوراة؛ لأجل ما تركوني واتخذوا معبودًا سواي، فأصب غضبي عليهم، وليس له هدو. فلما سمعوا هذا القول زادوا في المعاصي، وارتحلوا عن القدس، وقالوا: ليس نخربه ثانية. فقال الله تعالى: أغلقوا أبواب القدس، ولا تشعلوا المذبح، فليس لي فيكم مراد، وقد زهدت في حجكم وبغضتكم، وليس أقبل قرابينكم، ولا ألتفت إلى هداياكم، ثم قال لهم: أزيلوا عني أصواتكم، فإني باغض لها. فلم يلتفتوا إلى هذه الرسالة، ثم أقبلوا على الأكل والشرب والفرح والطرب، ويقولون: نحن أولاد إبراهيم، ما يغضب الله علينا ثانية. فقال الله تعالى لهم: يا أولاد الطغيان على من تدللون، على من تطيلون ألسنتكم، أليس أنتم أولاد الغدر، نسل الشر. فلما سمع الولي هذا القول قال لهم: إن البلاء قد قرب منكم، والخذلان قد أحاط بكم، يا أولاد الأشرار، يا ملاعين، يا أمة مشؤمةً، الصواب أن تحلقي شعرك، وترفعي صوتك بالبكاء، فقد زهد الرب فيكم، وقولي يا أمة طاغية: يا رب لا تزهد فينا إلى هذه الغاية. ثم قال الولي: يا رب إنك قد زهدت في اليهود، أو في صهيون، وقد ضربت بني إسرائيل ضربة لا شفاء لها. ثم قال لهم: كنا نرجو السلامة فلم نرها، وننتظر الشفاء فلحقتنا الدهشة. ثم قال الله تعالى: يا نبي، صن التعليم، واختم الشهادة والتوراة مع علمها. فعلم الولي أن الله تعالى قد فرض فرائض التوراة، فقال: يا رب إنك قد جعلتنا مثل الكناسة المزهود فيها فيما بين الأمم. فقال الله تعالى: يا نبي، إن هذه الأمة قد يئست واستحقت المنجل؛ لأنهم عدموا الفهم؛ بسبب ذلك لا أرحمهم، ومن الآن أبددهم في أطراف الأرض، فإنها لو غسلت ذنوبها بالصابون، وأكثرت من النطرون، (ما نفعها شيء؛ لأن ذنوبها قد أثرت. فقال: إذا كان

الصفحة 36