فأومأ على قبر إبراهيم ومضى، وجاء صبي فدعاه، فقال: يا صبي، أيما هو قبر إبراهيم من هؤلاء؟ فأومأ الصبي إلى قبر إبراهيم ومضى، فقال أبو زرعة: أشهد أن هذا قبر إبراهيم لا شك فيه، هذا هو الصحيح، نقل الخلف عن السلف، كما قال مالك رحمة الله عليه. ثم قام إلى داخل وصلى الظهر، ورحل من الغد.
وقد ذكر الناس مسجد الخليل في كلامهم، وزاروه بأجسامهم، ونقله خلفهم عن سلفهم، ما أنكره منكر، ولا عابه معيب، فأي حجة أعظم من هذا، ومع ذلك فقد أجمع عليه أهل الملل المختلفة مع تفاوت أغراضهم، وشدة اختلافهم، كلٌّ يقول: هذا قبر الخليل وإسحاق ويعقوب -عليهم السلام- وأزواجهم، ما قال أحد أن قبر إسحاق ويعقوب، ولا أن قبر يعقوب قبر الخليل، إلا كلهم يقولون: هذا قبر الخليل، وهذا قبر إسحاق، وهذا قبر يعقوب، والإجماع أنهم في المغارة.
وإنما يقال: إن أصح قبر على وجه الأرض من قبور الأنبياء -صلوات الله عليهم- قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقرب موته؛ ولأن الصحابة تولت غسله وقبره، ونقلوا ذلك، وقبر الخليل فلم يكن في عصرهم، ولا شاهدوه، غير أنهم رأوا الآثار، وقرءوا في الكتب السالفة أنه قبر الخليل، كما عرفوا مسجد بيت المقدس بالصفة، وقد كان عليه مزبلة، ذكر من عظمها ما يتجاوز الوصف، وقد محت الروم آثاره، وغيرت أعلامه، ثم إن الله سبحانه هداهم إليه، وقبر الخليل فلم يخربه الروم، بل جعلته كنيسة ومتعبًدا لهم، حتى جاء المسلمون فأخذوه منهم.
وكان النبي -عليه السلام- قد أقطع القرية -وهي حبرون بأسرها- لتميم الداري، قبل أن يفتح الله على المسلمين الشام، وكتب له بذلك كتابًا، وجاء