كتاب بناء المجتمع الإسلامي
القضايا من غير دليل" ويلاحظ هنا: أن لوبون يحيل العقائد إلى قضايا لا شعورية مفروضة على الإنسان لا دليل عليها، قد تطابق الواقع وقد لا تطابقه*. ويميز لوبون بين العقيدة faith والمعرفة Knowledge فالأولى عبارة عن إلهام لا شعوري يصدر عن أسباب خارجية دون إرادة الإنسان، أما المعرفة فهي علم يحصل بفعل التفكير العقلي المتزن، ويذهب الباحث المذكور إلى أنه كثيرًا ما يحدث أن تنشأ العقيدة في النفس دون دليل، ثم يحاول الإنسان إيجاد ما يبررها عقليًّا. وهذه العملية -عملية التبرير rationalization- هي إحدى ميكانزمات الدفاع اللاشعورية Defence Mechanism التي يلجأ إليها الإنسان للدفاع وتبرير بعض الدوافع اللاشعورية غير المعقولة.
ويحاول "لوبون" تفسير كيفية ظهور المعتقدات من خلال الرجوع إلى عدة عوامل، مثل: طبيعة الشعوب وما تتسم به من طبائع وأخلاقيات وتقاليد، وما يسودها من نظم -اجتماعية اقتصادية وسياسية وعائلية ... - وتوجيهات ومضامين تربوية.. هذا على مستوى المجتمع؛ أما على مستوى الأفراد، فإن أهم العوامل التي تسهم في تشكيل العقائد لدى الأفراد هي الأخلاق الموروثة والمكتسبة4، والمثل العليا لهؤلاء الأفراد والمنافع والحاجات. هذا إلى جانب أثر الإطار الثقافي والاجتماعي لهؤلاء الأفراد، ومختلف عوامل صياغة وتشكيل الفكر والرأي، ومسائل اتصال جمعية وشخصية**.
ويشير "لوبون" إلى حاجة الإنسان إلى العقيدة؛ لأنها تمثل الغذاء الروحي والفكري له، وتحقق له الهدوء والاستقرار النفسي، ولعل هذا هو ما يفسر سعي
__________
* يلاحظ هنا أن لوبون يقدم تعريفًا عامًّا للعقيدة -سواء الصحيحة أو الزائفة- لكنه أخطأ عندما حولها إلى قضايا لاشعورية مفروضة على الإنسان.
** واضح هنا: الخلط وعدم الدقة العلمية فلا يوجد ما يطلق عليه الأخلاق الموروثة، فهناك دوافع عامة موروثة، وهي عامل مشترك بين البشر جميعًا -وضمن هذه الدوافع دافع التدين والارتباط بالخالق- أما الأخلاق بمعنى الموجهات السلوكية والمعايير ونماذج السلوك الفاضل -حسب معتقد الشخص وحسب معايير الاستواء والانحراف- فهي كلها أمور يكتسبها الإنسان من بيئته الاجتماعية من خلال عملية الصياغة الثقافية والتنشئة الاجتماعية.
الصفحة 24
348