كتاب الشفاعة في الحديث النبوي

نزل بالمدينة (حُمى) الملاريا فلم تمض ايام حتى مرض بها بعض الصحابة، كأبي بكر وبلال ... فأستوخم الصحابة -رضي الله عنهم- جو المهجر الذي آواهم. ثم أخذت تستيقظ غرائز الحنين إلى الوطن المفقود حتى قال سيدنا بلال - رضي الله عنه -:-
الا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل؟
وهل اردنْ يوماً مياه مجنه وهل يبدْوَنْ لى شامة وطفيل؟ (¬1)
فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبرهم على احتمال الشدائد ويطالبهم بالمزيد من الجهد والتضحية لنصرة الإسلام فقال: ((لا يصبر على لاواء المدينة وشدتها احد من امتي إلا كنت شفيعاً يوم القيامة، ولا يدعها احد رغبة عنها إلا ابدل الله من هو خير منه)) (¬2).
يقول الشيخ محمد الغزالي: ((وهذا ضرب من جمع القلوب على المهجر الجديد حتى تطيب به وتنفر عن مغادرته)) (¬3) وهذا لا يعني ان الدعاء لمن صبر على جهد المدينة مقصور على تلك الفترة الزمنية لا بل هو مستمر إلى يوم القيامة فقد جاءت مولاة لعبد الله بن عمر - رضي الله عنه - تستإذنه بالخروج من المدينة لشدة الحال في المدينة فقال لها عبد الله: ((اقعدي لكاع (¬4)، فاني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لايصبر على لاوائها وشدتها احد إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة)) (¬5) وقد جاء أبو سعيد المهري (¬6) يستإذن على أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ايام الحرة (¬7) واستباحة المدينة وشكا اليه اسعارها، وكثرة عياله واخبره انه لا طاقة له على جهدها، فقال أبو سعيد: ((ويحك لا امرك بذلك فاني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ((لايصبر احد على جهد المدينة ولاوائها إلا كنت له شفيعاً أو
¬_________
(¬1) طرف من حديث أخرجه البخاري في صحيحه (1889) وله اطرف انظرها هناك وانظر فقه السيرة، محمد الغزالي ص184.
(¬2) انظر تخريجه برقم (138). واللفظ هنا لأحمد.
(¬3) فقه السيرة ص184.
(¬4) تطلق على اللئيم وعلى الغبي وعلى العبد الذي لا يهتدي لكلام غيره وعلى الصغير، أنظر شرح مسلم، النووي9/ 151.
(¬5) انظر تخريجه برقم (135).
(¬6) قال إبن حجر في التقريب 8133:"مقبول"، وجاء في التحرير4/ 204 "بل ثقة".
(¬7) وهي الايام التي استباح فيها يزيد بن معاوية المدينة عام 63هـ.

الصفحة 155