كتاب الشفاعة في الحديث النبوي

فهو الذي وفق العبد للتوبة ثم قبلها وهو الذي وفقه للعمل ثم أثابه، وهو الذي وفقه للدعاء ثم أجابه، وهذا مستقيم على أصول أهل السنة المؤمنين بالقدر، وأنّ الله خالق كلِّ شيءٍ)) (¬1)، فلماذا الشفاعة إذن؟! أقول:
أولاً: من المقرر أنّ الله تعالى يوفق الشافع للشفاعة على شكل إقرار الشفاعة والشافع هو الذي يختار المشفوع لهم- إذا كان من أهل العهد- ومثال ذلك: الشهيد يشفع لسبعين من اهله، فالله هو الذي أذن وقرر انّ الشهيد يشفع ولولا ذلك لما استطاع الشهيد أنْ يشفع، والذي يختار أولئك السبعين هو الشافع بشرط أنْ يكون ذلك المشفوع له من أهل التوحيد-والله اعلم-.
ثانياً:- صحيح أن الشفاعة هي نوع من الرحمة والمغفرة الالهية، ولكن يتجلى معناه من عدة وجوه:-
الوجه الاول: إكرام الشافع (¬2):- إنّ الله تعالى إذا أراد أنْ يأذن لفلان بالشفاعة ناداه على رؤوس الخلائق واذن له امام العالمين ان يشفع لمن يشاء، أليس هذا إكرام؟ بلى وأيُّ إكرامٍ أعظمُ من ذلك؟ وهذا الشافع ما هي منزلته في قلوب تلك الحشود؟! ما مقدار الافتخار الذي سيحل باهله واخوته ومن شفع لهم؟! فهو صاحب مكانة خاصة وعظيمة عند الله جل جلاله.
ويستنبط من بعض النصوص أنْ هناك تفاوت في المنازل والدرجات في الدنيا كذلك هو في الحياة الأخرة، يقول تعالى:"يامريم إنّ الله يبشرك بكلمة منه أسمه المسيح عيسى إبن مريم وجيها في الدنيا والأخرة ومن المقربين " (¬3). وكقوله:" ... . وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبر تفضيلاً " (¬4)، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -:" الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (¬5) وسيد الشهداء حمزة ... ." (¬6)، وغيرها من
¬_________
(¬1) شرح العقيدة الطحاوية، إبن أبي العز تحقيق شعيب الأرنؤوط 1/ 301 - 302.
(¬2) أنظر الحسنة والسيئة، إبن تيمية ص90، وأصول الدين، البغدادي ص 245، والعقائد الإسلامية، سيد سابق ص297، وأصول الدين الإسلامي، رشدي عليان وقحطان الدوري ص 383.
(¬3) آل عمران /45.
(¬4) الاسراء /21.
(¬5) حديث صحيح، انظر مظانه في المسند الجامع 5/ (3360و3361).
(¬6) أخرجه "الهيثمي" -في المجمع- 7/ 272 و 9/ 268. وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه ضعف.

الصفحة 42