كتاب الشفاعة في الحديث النبوي

ولا تكون نافعة الا للمأذون لهم ... وهو سبحانه إذا اذن للمشفوع له فقد اذن للشافع فهذا الاذن هو الاذن المطلق بخلاف ما اذا اذن للمشفوع له فقد اذن للشافع فقط فانه لا يلزم أن يكون قد أذن للمشفوع له اذ قد يأذن له إذناً خاصاً ... )) (¬1).
ويفهم من كلام إبن تيميه أنّ الاذن من الله يكون للمشفوع له حصراً - حتى يخرج المشركين من الشفاعة، فلو قلنا أن الاذن فقط للشافع لتبادر إلى الذهن أن الشافع قد يشفع للمشرك، وهذا قول مردود بنص القرآن ((لا يملكون الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهداً)) (¬2) وغيرها من الآيات.
ولا يريد إبن تيميه رحمة الله بهذا القول أن الاذن من الله- بالنسبة للشفاعة في المؤمنين للمشفوع له فقط - بل على العكس فهو يقول: (فقوله ((إلا من اذن له الرحمن)) يتناول النوعين: من اذن له الرحمن ورضى له قولاً من الشفعاء. ومن اذن له الرحمن ورضى له قولاً من المشفوع له وهي تنفع المشفوع له فتخلصله من العذاب وتنفع الشافع فتقبل منه، ويكرم بقبولها، وثياب عليه.
والله تعالى وتر لا يشفعه احد. فلا يشفع عنده احد إلا بإذنه فالامر كله اليه وحده فلا شريك له بوجود ولهذا ذكر سبحانه نفي ذلك في آية الكرسي التي فيها تقرير التوحيد فقال: له ما في السموات وما في الارض مَنْ ذا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ الا باذنه؟) (¬3).
وقد يكون هذا الاذن بلفظ من الله بان يقول ((قم فاشفع)) أو قد يكون الاذن بالشفاعة منصوصا عليه بنص مسبق، كشفاعة المصلين المؤمنين على جنازة اخيهم: ((ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته اربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً الا شفعهم الله فيه)) (¬4) فهذا الاذن قد اخبرنا به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو نوع آخر من الإذن.
وقد قسم إبن تيميه الاذن إلى نوعين: إِذن بمعنى المشيئة والخلق، كقوله تعالى ((وما هم بضارين به من أحد إلا باذن الله)) (¬5). فالله تعالى هو خالق الافعال،
¬_________
(¬1) الحسنة والسيئة، ص103 - 104، بتصرف يسير.
(¬2) مريم 87.
(¬3) الحسنة والسيئة ص 99، و 105 - 106، وانظر اية الكرسي معانيها وفضائلها، السيوطي، ص96 ومعارج القبول، الحكمي 2/ 209.
(¬4) انظر تخريجه برقم (91).
(¬5) البقرة /102.

الصفحة 47