ومنها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليها، إن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) (¬604).
قلت: موضع الإشكال في هذا الحديث (¬605) قوله "فخير تقدمونها إليها" فأنث
الضمير العائد على "الخير" وهو مذكر. فكان ينبغي أن يقول: فخير تقدمونها (¬606) إليه.
لكن المذكر يجوز تأنيثه إذا أوِّل بمؤنث، كتأويل "الخير" الذي تقدم إليه النفس الصالحة بالرحمة أو بالحسنى أو باليسرى، كقوله تعالى {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} (¬607)، وكقوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} (¬608).
ومن إعطاء المذكر حكم المؤنث باعتبار التأويل قول النبى - صلى الله عليه وسلم - في إحدى الروايتين (فإن في إحدى جناحيه دواءً والأخرى داء) (¬609).
والجناح مذكر، ولكنه من الطائر بمنزلة اليد، فجاز تأنيثه مؤولًا بها.
ومن تأنيث المذكر لتأويله بمؤنث قول تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (¬610)، فأنث عدد الأمثال وهي مذكرة لتأويلها بحسنات.
¬__________
(¬604) الحديث في صحيح البخاري 2/ 153 وليس فيه لفظ" إليها " وهو موطن الإشكال عند ابن مالك. وجاء في فتح الباري 3/ 427 - 428 بلفظ" تقدمونها إليها. ولا شاهد فيه هنا، وقال فيه الشارح ابن حجر (قوله: تقدمونها إليه، الضمير راجع إلى الخير باعتبار الثواب.
قال ابن مالك: روي: تقدمونها إليها. فأنث الضمير على تأويل الخير بالرحمة أو بالحسنى).
(¬605) الحديث: ساقط من ب.
(¬606) أب: قدمتموها. تحريف.
(¬607) يونس 10/ 21.
(¬608) الليل 7/ 92.
(¬609) فى ب ( ... وفي الآخر دواشفا) تحريف. وفي أج "شذا"، بدلًا من" داء". وما أثبته من د.
وورد الحديث في صحيح البخاري 4/ 158 بلفظ (فإن في إحدى جناحيه داء والاخرى
شفاء) وفي 7/ 181 (فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء). وفي نسخة في هذا الموضع
جاء بلفظ (إحدى جناحيه).
(¬610) الأنعام 6/ 165.