كتاب سيرة ابن اسحاق = السير والمغازي

ومع أنّ الدراسات عن ابن إسحاق تعددت منذ مطلع هذا القرن «1» ، لكنّ هناك صعوبات لا يمكن تخطّيها تحول دون الوصول إلى نتائج يطمأنّ إليها في هذا المجال. إن المادة التي اعتمدت عليها هذه الدراسات قليلة وغير أصيلة تماما، ذلك أن ما كتبه ابن إسحاق لم يصل إلينا بشكله الأول، بل وصلنا بعد تهذيبه وتعديله من قبل آخرين أشهرهم وأهمهم ابن هشام. وكنت قد حصلت منذ سنوات على مصوّرة لقطعة من سيرة ابن إسحاق موجودة بالمغرب، ضممتها إلى أوراق من قسم المغازي موجودة بالمكتبة الظاهرية بدمشق، ثم قمت بمقارنة الموادّ والأخبار الموجودة في هاتين القطعتين بما عند ابن هشام مما يقابلهما فاتضحت لي أهمية نشرهما.
ولد محمد بن إسحاق بالمدينة حوالي عام 85 هـ/ 705 م «2» ، وبها نشأ وأدرك بعض الصحابة، لكنّ أكثر سماعه كان من أبناء الصحابة. وقد سمع من أبيه وكبار التابعين بالمدينة، ثم رحل في طلب العلم إلى مصر، ونحن نعلم أنه كان بالإسكندرية عام 119 هـ/ 738 م، ثم عاد إلي المدينة وبدأت شهرته بسعة الرواية تنتشر. وإلى هذه الفترة تعود منازعاته مع عالمي المدينة المشهورين آنذاك: هشام بن عروة بن الزبير (- 146 هـ) ، ومالك بن أنس (- 179 هـ) . أما هشام بن عروة فقد اتهمه بالكذب لأنه كان يروي عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير، وكان هشام بن عروة ينكر سماع
__________
(1) كتب يوهان فك دراسة عنه (عام 1925) ، كما نشر فيشر أسماء الرجال الذين رووا عنه. ودرس هوروفتز عمله في مقالاته السالفة الذكر، وقارن الدوري 27- 32.
(2) أهم ترجماته في المصادر، طبقات فحول الشعراء لابن سلام 8، 11، 206، طبقات ابن سعد 6/ 396، المعارف 491، الفهرست 92، تاريخ بغداد 1/ 214، معجم الأدباء 18/ 5 وما بعدها، وفيات الأعيان 4/ 276- 277، تاريخ الاسلام 6/ 375- 378، ميزان الاعتدال 3/ 468، تذكرة الحفاظ 2/ 172، تهذيب التهذيب 9/ 38، عيون الأثر 1/ 10- 17.

الصفحة 10