كتاب سيرة ابن اسحاق = السير والمغازي

ابن إسحاق لها ويقول: أهو كان يدخل على امرأتي «1» ؟. وربما رمى هشام بن عروة من وراء ذلك إلى الحطّ من منزلة ابن إسحاق لأنه كان مولى، فقد احتل خالد بن الوليد عام 12 هـ/ 633 م مدينة عين التمر بالعراق وأسر فتيانا كانوا يدرسون في دير هناك، وكان من هؤلاء سيرين أبو محمد بن سيرين ويسار جدّ محمد بن إسحاق الذي كان مولى قيس بن مخرمة. ويروي الخطيب البغدادي خبرا مفاده أن خيارا والد يسار هو الذي أسر وكان مولى لقيس بن مخرمة بن المطلب ابن عبد مناف. ويبدو أنّ لأصول ابن إسحاق الكتابية أثرا في كتاباته كما يبدو ذلك من قصصه ورواياته عن عصور ما قبل النبي. ويبدو أنه كان يعرف السريانية فربما ظلت تلك اللغة متوارثة في أسرته. على أنه ربما عرف كل ذلك أثناء إقامته بمصر التي امتدت إلى بضع سنوات.
ويمكن فهم نزاعه مع مالك من زاوية أخرى، فقد بلغ مالكا عنه أنه يقول: إعرضوا عليّ حديث مالك فأنا بيطاره! فقال مالك: وما ابن إسحاق؟! إنما هو دجّال من الدجاجلة! نحن أخرجناه من المدينة «2» . لا مانع من فهم هذا النزاع على أنه نزاع بين أبناء الحرفة الواحدة، وقد كان العلماء قديما يقولون: المعاصرة حجاب! لكننا نحسب أن الأمر يتعدّى ذلك، إذ أنّ طبيعة الكتابة التاريخية التي عمل ابن إسحاق في مجالها أرغمته على التحلّل بعض الشيء من طرائق المحدّثين الشديدة التدقيق، والحرفية المنحى، والبالغة الإيجاز، وطبيعيّ أن ينظر مالك إلى ذلك كله- وهو المحدّث المتحرّج- نظرة كلها شكّ وريبة. والإشارة الأخرى في حديث مالك عن ابن إسحاق بالغة الأهمية، إنه يزعم أنه هو وأمثاله أخرجوا ابن إسحاق من المدينة. لقد كان للنزاع إذن وجه آخر لا يمكن اعتباره علميا محضا بل له جانبه السياسي.
__________
(1) تاريخ بغداد 1/ 216، وفيات الأعيان 4/ 277.
(2) معجم الأدباء 18/ 7- 8، وقارن: تاريخ الاسلام 6/ 378، طبقات خليفه 1/ 402، النجوم الزاهرة 2/ 165، مرآة الجنان 1/ 460.

الصفحة 11