كتاب سيرة ابن اسحاق = السير والمغازي

والمصادر تؤيّد دعوى مالك، فقد اشتهر عن ابن إسحاق بعد عودته من مصر القول بالقدر وجلد على ذلك بالمدينة، ويبدو أن ابن إسحاق لم ينكر التهمة، فقد دافع عن نفسه عندما اتهمه هشام بن عروة بالكذب على امرأته، لكنه لم يقل شيئاً عندما بلغه اتهام مالك له بالزندقة، ولا يعني ذلك أنه كان زنديقا، ولكن تلك كانت التهمة التي يوجهها محافظو الرواة إلى القائلين بالقدر من علماء البصرة وغيرها «1» . بالإضافة إلى ذلك سرى اتهامه بالتشيّع، وكانت تلك تهمة تنال أكثر الذين يعملون في مجال سيرة النبي «2» ، وقديما ودّ عبد الملك بن مروان لو لم ينشغل أحد بالسيرة لما فيها من تقديم لبني هاشم وللأنصار! «3» .
دفع هذا كله ابن إسحاق إلى مغادرة المدينة وكان «قد ضاق واشتدّت حاله» وتوجه من هناك إلى الكوفة، ولا بد أن يكون ذلك قبل بناء بغداد، لكن بعد ولاية المنصور للخلافة أي بين 136 هـ و 144 هـ، لأننا نقرأ في المصادر أنه أتى أبا جعفر المنصور بالحيرة «فكتب له المغازي، فسمع منه أهل الكوفة بذلك السبب «4» . وتوجّهه إلى أبي جعفر المنصور لم يتم مصادفة، فقد كان يعرفه في الغالب قبل وصول العباسيين إلى السلطة، كما أنه كانت للعباسيين صلات طيبة بالقدرية في أول الأمر كما تظهره المصادر التي تلحّ على محاولات أبي جعفر للتقرب من عمرو بن عبيد وغيره من قدرية البصرة في مطالع خلافته «5» ، وكان القدرية قد دخلوا في صفوف المعارضين للأمويين منذ ثورة ابن الأشعث 82- 84 هـ واستمر عداؤهم لهم حتى سقوط دولتهم عام 132 هـ؛ «6»
__________
(1) قارن، تاريخ الاسلام 6/ 377، معجم الأدباء 18/ 7.
(2) معجم الأدباء 18/ 7- 8.
(3) الموفقيات 332.
(4) معجم الأدباء 18/ 6، وفيات الأعيان 4/ 277.
(5) قارن: البيان والتبيين 4/ 64- 65، العقد الفريد 3/ 164، عيون الأخبار 2/ 337.
(6) قارن
:die und Asat- al lbn des Revolte Die:Saiyid.R.ff 092-/ 21.P) 7791 Freiburg (Koranless.

الصفحة 12