كتاب سيرة ابن اسحاق = السير والمغازي

بالتاريخ القريب للأمة الناشئة. كان المجتمع يتطلع إلى محاولة «إعادة امتلاك» تلك التجربة التاريخية الفريدة، تجربة النبوة والمجتمع المثالي الأول. كان لا بدّ من «صورة تاريخية»
تدعم فكرة الأمة والمجتمع الناشىء، ثم إنّ الفتوحات والاتصال بالأمم الأخرى، كل ذلك أبرز مشاكل جديدة رجوا حلّها باستعادة تجربة الوحي والإدارة والغزوات أيام الرسول، سيرة النبي، كتبت ضمن منظور تاريخي واسع يجعلها خاتمة تجارب الأمم التي عاشت أنبياء ونبوات أو كانت لها صلة من أي نوع بفكرة التوحيد. هذا المنظور التاريخي العالمي استمد مصادره من القرآن ومعارف العرب التقليدية وما عرفوه من خلال معايشتهم لأهل الكتاب في الأقطار المفتوحة، ومن خلال معايشتهم للشعوب غير الكتابية. تلا الاهتمام بالسيرة وخلفيتها اهتمام مماثل بأخبار العرب في جاهليتهم فيما يسمّى بأيام العرب نتيجة الصراعات القبلية، هذا بالإضافة إلى «الصور التاريخية» التي بدأت تنشأ عن التاريخ السياسي للدولة الإسلامية خلال الصراع بين السلطة الحاكمة والأحزاب السياسية الدينية التي تصدّت للسلطة الأموية وقاومتها «1» .
اهتمّ بالسيرة النبوية وبخلفيتها التاريخية أشخاص عديدون في القرنين الأول والثاني الهجريين، منهم وهب بن منبه وأبان بن عثمان بن عفان وعروة بن الزبير وشرحبيل بن سعد، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري وموسى بن عقبة وهشام بن عروة بن الزبير ومحمد بن إسحاق. ولقد وصلتنا قطع من كتاب وهب بن منبه (34- 114 هـ/ 654- 732 م) في المغازي «2» ، كما وصلتنا أجزاء من كتابات محمد بن مسلم
__________
(1) عبد العزيز الدوري: علم التاريخ عند العرب 17- 20.
(2) نشرها ج. ر. خوري بهايدلبرغ.

الصفحة 8