كتاب المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي

وقد تنبه اللغويون إلى مثل هذه البحوث، بعد أن رأوا الدراسات، التي تقوم بها المدرسة الاجتماعية الفرنسية، التي أنشأها "دوركايم" Durkheim في أوائل القرن العشرين، وانضم إليها كثير من علماء اللغة في فرنسا وألمانيا وإنجلترا وسويسرا والدانيمارك، وكثير من أساتذة الجامعات في أوربا وأمريكا.
ومن العلماء من لم ينضم انضماما إيجابيا إلى هذه المدرسة غير أنهم تأثروا بعقلية "دوركايم" الجبارة، وبذلك أصبحت بحوث المدرسة الاجتماعية الفرنسية، أساسا للبحوث اللغوية في كثير من الأحيان؛ إذ طبقت نظريات علم الاجتماع العام على اللغة، وحاول الباحثون أن يبينوا لنا أثر المجتمع ونظمه وحضاراته المختلفة، على الظواهر اللغوية، باعتبار أن الإنسان كائن اجتماعي أولا وقبل كل شيء، ولذلك كانت اللغة كائنا حيا كالإنسان سواء بسواء؛ لأنها ألصق الظواهر الاجتماعية به.
ويقول فندريس: "في أحضان المجتمع تكونت اللغة، ووجدت يوم أحس الناس بالحاجة إلى التفاهم بينهم، وتنشأ من احتكاك بعض الأشخاص، الذين يملكون أعضاء الحواس، ويستعملون في علاقاتهم الوسائل التي وضعتها الطبيعة تحت تصرفاتهم، الإشارة إذا أعوزتهم الكلمة، والنظرة إذا لم تكف الإشارة"1.
وهكذا يرى "فندريس" أن اللغة تنتج من اللاحتكاك الاجتماعي، ثم تصبح عاملا من أقوى العوامل، التي تربط أفراد المجتمع الإنساني، ويرى علماء الاجتماع أن الظواهر الاجتماعية لها قوة قاهرة آمرة، تفرض بها على أفراد
__________
1 اللغة لقندريس 35.

الصفحة 126