كتاب المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي

واللغة بدورها تتأثر بكل هذه الظواهر الاجتماعية، تأثرا كبيرا، فهي بدوية في المجتمع البدوي غير المتحضر، ولذلك نجدها فيه محدودة الألفاظ والتراكيب والخيال، ليست مرنة ولا تتسع لكثير من فنون القول. أما إذا كانت اللغة في مجتمع قد أخذ قسطا من الحضارة، فإننا نجدها متحضرة الألفاظ، مطردة القواعد، يسيرة في نطقها، خفيفة الوقع على السمع.
واللغة في المجتمع البدائي كثيرة المفردات، فيما يتعلق بالأشياء المحسوسة، والأمور الجزئية، قليلة الألفاظ التي تدل على المعاني الكلية، فالرجل البدائي "قد توجد لديه كلمات خاصة للدلالة على المعاني الجزئية، كغسل نفسه، وغسل رأسه، وغسل شخص آخر، وغسل رأس شخص آخر، غسل وجهه، وغسل وجه شخص آخر ... إلخ، في حين أنه لا توجد لديه كلمة واحدة، للدلالة على العملية العامة البسيطة، وهي: مجرد الغسل"1.
وكثيرا ما تخلو مدلولات الكلمات، في هذا المجتمع البدائي، من الدقة، ويكثر فيها اللبس والإبهام، وهي غالبا لا تعبر إلا عن ضرورات الحياة اليومية، ولذلك كانت جملها قصيرة، وروابطها قليلة. ولا يزال بعض هذه اللغات البدائية. يعتمد حتى الآن اعتمادا كبيرا، على الإشارات اليدوية والجسمية، لإعطاء المعنى المقصود، من الألفاظ التي ينطقونها، إلى درجة أن الأهالي يوقدون النيران ليلا، لكي يتمكنوا من فهم ما يقال؛ لأن الإشارات التي تصحب الكلام، تكمل الناقص من المفردات، وتحدد مدلول الكلمات.
__________
1 دور الكلمة في اللغة لأولمان 116.

الصفحة 129