كتاب المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي

ولا شك أن التغير الاجتماعي، في بيئة من البيئات، يتبعه تغير في شيء من اللغة المستعملة في تلك البيئة. ويكفي أن نذكر بأن قيام ثورة 23 يولية في مصر، أدى إلى تغير في النظام الاجتماعي، تبعه اختفاء كلمات مثل: بك، وباشا، وصاحب العزة، وصاحب السعادة، وصاحب الدولة، وصاحب المعالي، وصاحب الرفعة، وصاحبة العصمة، والبرنس، وسمو الأمير، وصاحب الجلالة، والذات الملكية. كما شاعت ألفاظ مثل: ثورة التحرير، والعزة والكرامة، والتأميم، والاشتراكية، والتحول الاشتراكي، والمكاسب الاشتراكية، والتقدمية، والرجعية، والتطلع الطبقي، والصراع الحتمي، وتذويب الفوارق الطبقية، ونضال الجماهير، والنقاء الثوري، والقيادة الجماعية، والجماهير الكادحة، والعناصر الانتهازية، والمصير المشترك، والسلام القائم على العدل، وفك الاشتباك. وغير ذلك كثير.
وكثيرا ما يؤدي التفاوت بين طبقات المجتمع، إلى نشوء لغات سرية عامية، هي بنوع خاص لغة الأشقياء والخارجين على القانون، ممن يعيشون في خوف دائم من سطوته؛ لأنهم يحيون حياة على هامش المجتمع.
ويقول قندريس: "كان عندنا، حتى بداية القرن التاسع عشر، هيئة منظمة حقا للأشقياء، وكانت لها لغتها الخاصة المتفق عليها، والتي كان يعمل كل عضو من أعضاء الهيئة، على المحافظة عليها"1.
ونحن نعرف عن هذه اللغة الخاصة في كل البلاد، غناها بالتعبيرات التي تشبع الغرائز المادية، والصفات المذمومة التي تنطوي على الجريمة، كالسرقة والزنا والسكر، وما إليها من أنواع الانحلال الخلقي، ففي لغة هذه
__________
1 اللغة لفندريس 316.

الصفحة 131