كتاب المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي

تتمتع بمنزلة دينية خطيرة قبل الإسلام؛ لأن القرشيين كانوا جيران بيت الله الحرام وسدنته، كما كانت القبائل العربية، على اختلاف منازلها تحج إلى البيت، وتقدم القرابين إلى أصنامهم وأوثانهم المبثوثة حول الكعبة.
وإلى جانب هذا العامل الديني، كان القرشيون يتمتعون بسلطان اقتصادي كبير؛ لأنهم كانوا من أمهر العناصر العربية، وأنشطها، وفي يدهم جزء كبير من تجارة الجزيرة العربية، ينتقلون في بقاعها، من سوريا شمالا إلى أقاصي اليمن جنوبا، فهم في الشتاء يرتحلون إلى اليمن، وفي الصيف يذهبون إلى الشام، ولا يكادون يستقرون في مكان، إلا بمقدار الزمن الذي يحدده لهم البيع والشراء. وقد أتاح لهم هذا النشاط التجاري ثراء كبيرا، ومن ملك المال واحتضن الدين. فقد تحقق له سلطان سياسي قوي، ولهذا كله كانت اللغة القرشية، أقوى اللغات أثرا في تكون اللغة العربية المشتركة، أو العربية الفصحى.
وإذا كانت الأقاليم تختلف فيما بينها في لهجاتها، فإن طبقات الناس التي تعيش في داخل كل إقليم، تختلف هي أيضا في لغاتها، فإن الطبقة الغنية، ذات الجاه والنفوذ المادي والسيطرة السياسية، تخالف في كلامها دون شك، طبقات العمال والجنود والتجار والزراع، وغيرها من الطبقات الأخرى.
كما أن الفارق بين الطبقات الاجتماعية، في الثقافة والتربية، والتفكير، ومستوى المعيشة، والعادات والتقاليد. كل هذا وغيره يترك أثرا كبيرا في لهجات هذه الطبقات الاجتماعية المتفاوتة، في طرق التعبير واستعمال المفردات، ودلالتها، وتكوين الجمل، وما إلى ذلك من الظواهر اللغوية المختلفة.

الصفحة 168