كتاب المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي

التاريخية، وقفا على كبار العلماء والباحثين، على حين استمرت الطريقة الوصفية كما كانت من قبل، طريقة عملية ذات نفع عاجل، تعالج تعلم الناس اللغات الأجنبية، وتعرفهم بالطريقة الصحيحة لاستخدام لغاتهم1.
هذا هو المنهج المقارن، وتلك هي حدوده، وقد تأثر به دارسو اللغات السامية، وقطعوا فيه شوطا ليس بالقصير.
وإن من يلج ميدان الدراسة السامية المقارنة، يدرك على الفور مدى الصعوبة، التي تقابل الباحث، عندما يريد الرجوع بظاهرة ما في هذه اللغات إلى أصلها، ذلك لأن هذه اللغات السامية ليست حلقات متصلة في سلسلة لغوية واحدة، يمكن اعتبار إحداها أقدم اللغات، والثانية أحدث منها ... وهكذا، بل هي على العكس من ذلك، تعد خلفا للغة واحدة، هي ما اصطلح العلماء على تسميته "بالسامية الأم"، وهذه اللغة لا وجود لها الآن في صورة وثائق أو نقوش مكتوبة.
ولذلك، فمن الممكن دراسة كل لغة من اللغات السامية على حدة، دراسة وصفية وتاريخية منتجة إلى أقصى حد، غير أن استنباط الأصول الأولى، للظواهر اللغوية المختلفة في هذه اللغات، أمر بالغ الصعوبة. وقد حاول العلماء استخدام الطرق العلمية، التي كشف عنها المنهج المقارن، وعلم اللغة الحديث، في الوصول إلى هذه الأصول الأولى، "لكن لا يجوز للمرء، أن يطلب الكثير في هذه الناحية، فإن سير تطور اللغات غامض في تفاصيله بالنسبة لنا غالبا، وذلك في المرحلة السابقة للمرحلة، التي وصلت إلينا منها وثائق لغوية"2.
__________
1 انظر: لغات البشر لماريوباي 74.
2 اللغات السامية لنولدكه 11.

الصفحة 200