كتاب المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي

يقولون في موضع قام زيد: قوم زيد، وكذلك: نوم جعفر، وطول محمد ... وليس الأمر كذلك، بل بضده، وذلك أنه لم يكن قط مع اللفظ به إلا على ما تراه وتسمعه. وإنما معنى قولنا إنه كان أصله كذا: أنه لو جاء مجيء الصحيح، ولم يعلل، لوجب أن يكون مجيئه على ما ذكرنا، فأما أن يكون استعمل وقتا من الزمان كذلك، ثم انصرف عنه فيما بعد إلى هذا اللفظ، فخطأ لا يعتقده أحد من أهل النظر"1.
ويحاول ابن جني أن يؤكد فكرته تلك مرة أخرى في كتابه: "سر صناعة الإعراب"، غير أنه يعود فيعترف بأن الظاهرة اللغوية القديمة، قد تبقى منها أمثلة تعين على معرفة الأصل، وهو ما نسميه هنا: "الركام اللغوي"، يقول ابن جني: "فبهذا ونحوه استدل أهل التصريف على أصول الأشياء المغيرة، كما استدلوا بقوله عز اسمه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَان} على أن أصل استقام: استقوم، وأصل استباع: استبيع، ولولا ما ظهر من هذا ونحوه، لما أقدموا على القضاء بأصول هذه الأشياء، ولما جاز ادعاؤهم إياها"2.
وهكذا نرى ابن جني، لا يريد أن يعترف بوجود الأصل القديم، لهذه الظاهرة في الواقع اللغوي، غير أنه حين عثر على مثال من "الركام اللغوي"، وهو قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَان} ، اضطر إلى الاعتراف به.
__________
1 الخصائص 1/ 256.
2 سر صناعة الإعراب 1/ 194 كما يقول المبرد في المقتضب 2/ 97: "وقد يجيء في الباب الحرف والحرفان على أصولهما، وإن كان الاستعمال على غير ذلك، ليدل على أصل الباب".

الصفحة 298