كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

ليُدعون بمعنى التسمية؛ أي: يُسموْن غُرًّا، ويحتملُ أَنْ يكونَ على الحال، وهو الأقرب.
وقوله: "مِنْ آثَارِ الوُضُوء" هو -بضم الواو، وهذا هو المعروف، ويجوز أن يُقال بفتحِها، ويكونُ المراد: آثارَ الماءِ المستعملِ في الوضوء، فالغرةُ والتَّحجيلُ نشآ عن الفعل بالماء، فيجوز نسبتُهما إلى كل واحدٍ منهما.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنِ استَطَاعَ مِنكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ" اقتصارُه - صلى الله عليه وسلم - على ذكر الغرة دون التحجيل، من باب التَّغليب بالذكر لأحدِ الشَّيئين، وإن كان بسبيلٍ واحدٍ للتَّرغيب فيه، وقد استعملَ الفقهاءُ ذلك، فقالوا: يُستحب تطويلُ الغرة، ومرادُهم الغُرةُ والتحجيل -والله أعلم-.
وقد استدل جماعة من العلماء بهذا الحديث على أن الوضوءَ من خصائصِ هذه الأمة -زادَها اللهُ تعالى شرفًا-، وقال آخرونَ: ليس الوضوءُ مختصًّا بها، بل الذي اختصَّت به الغرة والتحجيلُ.
واحتجوا بالحديث الآخر: "هَذَا وُضُوئي وَوُضُوءُ الأَنبِياء قَبْلي" (¬1)، وأجاب الأولون عن هذا بجوابين:
أحدُهما: أنَّه حديثٌ ضعيفٌ معروفُ الضَّعفِ.
والثاني: لو صح، لاحتمل اختصاصَ الأنبياء دون أممهم؛ بخلاف هذه الأمة -والله أعلم-، ولا شكَّ أن هذه الأمة مختصةٌ بآثارِ الوضوء يوم القيامة، وهو النور الذي يكون في الوجوه والأيدي والأرجل المسمَّى بالحِلْية دونَ غيرِهم من الأمم -والله أعلم-.
¬__________
(¬1) رواه ابن ماجه (420)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا، من حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - إلا أن لفظه: " ... ووضوء المرسلين ....... ".
وقد رواه باللفظ الذي ساقه المؤلف: الطيالسي في "مسنده" (1924)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (5598)، وابن حبان في "المجروحين" (2/ 161 - 162)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (3/ 246)، والدارقطني في"سننه" (1/ 79)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 80)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

الصفحة 108