كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)
وأما قولُه: ويحتمل أن يريد به ابتداء الدخول، فهو غيرُ صحيح، مع التصريح في رواية البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أرادَ دخولَ الخلاء، قال -والله أعلم-.
وفي هذا الحديث دليلٌ: على مراقبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لربه، ومحافظتِه على ضبط أوقاتِه وحالاتِه، واستعاذتِه عندما ينبغي أَنْ يُستعاذَ منه، ونطقِه بما ينبغي أَنْ ينطقَ به، وسكوته عندما ينبغي أَنْ يسكتَ عنده، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال: " غُفْرَانَكَ" (¬1)؛ أيْ: أسألك غفرانَك على حالةٍ شَغَلَتْني عن ذكرِك.
وفيه: شرعيَّةُ هذا الذكر عند إرادة دخول الخلاء، وهو متَّفق عليه.
وفيه: ما كان عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من ضبط أموره - صلى الله عليه وسلم -، وأحواله، وأقواله، وأفعاله، وأذكاره، وغير ذلك -رضي الله عنهم- أجمعين.
* * *
الحديث الثّاني
عن أبي أَيُّوبَ الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إذَا أتيْتُمُ الْغَائِطَ، فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلَا تَسْتدبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غرِّبوُا" قال أبو أيوب: فَقَدِمْنا الشَّام، فوجدنا مراحيضَ قد بُنيت نحوَ الكعبة، فننحرفُ عنها، ونستغفرُ الله تعالى (¬2).
الغائطُ: الموضعُ (¬3) المُطْمَئِنُّ من الأرض، كانوا ينتابونه للحاجة، فكنَّوا به
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (30)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء، والترمذي (7)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء، وقال: حسن غريب، وابن ماجه (300)، كتاب: الطهارة، باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء، والإمام أحمد في "المسند" (6/ 155)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(¬2) رواه البخاري (386)، كتاب: الصلاة، باب: قبلة أهل المدينة وأهل الشام، ومسلم (264)، كتاب: الطهارة، باب: الاستطابة.
(¬3) "الموضع": ليس في "ح".