كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)
والمزارعة مجتمعتين، وتجوز كل واحدة منها منفردة، وهذا هو الظاهر المختار لهذا الحديث.
ولا يقبل كون المزارعة في خيبر إنَّما جازت تبعًا للمساقاة، بل جازت مستقلة، ولأن المعنى المجوز للمساقاة موجود في المزارعة؛ قياسًا على القراض؛ فإنّه جائز بالإجماع، وهو كالمزارعة في كل شيء، ولأن المسلمين في جميع الأمصار والأعصار مستمرون على العمل بالمزارعة.
وأمَّا حديث النَّهي عن المخابرة، فتقدم الكلام عليه في آخر باب: ما نهي عنه من البيوع، وقد صنف ابن خزيمة وغيره كتبًا في جواز المزارعة، واستقصوا وأجادوا، وأجابوا عن أحاديث النَّهي، والله أعلم.
* * *
الحديث التاسع
عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا أَكثَرَ الأَنْصَارِ حَقْلًا؛ فَكُنَّا نكْرِي الأَرْضَ عَلَى أَن لَنَا هَذِه، وَلَهُمْ هَذِه، فَرُبَّما أَخْرَجَتْ هَذِه، وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِه، فنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا الوَرِقُ، فَلَمْ يَنْهَنَا عنه (¬1).
ولِمُسْلِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَألْتُ رَأى بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالوَرِقِ، فَقَالَ: لَا بَأسَ بِهِ (¬2).
إنَّما كان النَّاسُ يُؤاجِرونَ عَلَى عَهْدِ رسولِ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - بما على المَاذِيَانَاتِ، وأَقْبالِ الجَدَاولِ، وأشياءَ من الزَّرْع، فَيَهْلِكُ هَذَا، ويَسْلَمُ هَذَا، ويَسْلَمُ هَذَا ويَهْلِكُ هَذَا، ولَمْ يكُنْ للنَّاسِ كِرَاءٌ إلَّا هَذَا، فَلِذلكَ زَجَرَ عَنْهُ، فأمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ، فَلَا بَأسَ بِه.
الماذيانات: الأنهار الكبار، والجداول: النهر الصغير.
¬__________
(¬1) رواه البُخاريّ (2573)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في المزارعة، ومسلم (1547)، كتاب: البيوع، باب: كراء الأرض بالذهب والورق.
(¬2) رواه مسلم (1547)، (3/ 1183)، كتاب: البيوع، باب: كراء الأرض بالذهب والورق.