كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)

الحديث العاشر
عَنْ جَابر بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -[بالعُمرَى] لِمَن وُهِبَتْ له (¬1)، وفي لفظ: "مَن أُعْمِرَ عُمرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَإِنَّها لِلَّذِي أُعْطِيهَا، لَا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعطَاهَا؛ لأنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيِه المَوَارِيثُ" (¬2).
وَقَالَ جَابِرٌ: إنَّما العُمرَى الَّتي أَجَازَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - أَن يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبكَ، فَأَمَّا إذا قَالَ: هِيَ لَكَ مَا عِشتَ، فَإِنَّها تَرْجعُ إلَى صاحِبِهَا" (¬3). وفي لفظِ: "أَمْسِكُوا عَلَيكُمْ أَموَالَكُمْ، وَلَا تُفسِدُوهَا؛ فَإنَّهُ مَن أَعْمَرَ عُمْرَى، فَهِيَ لِلَّذِي أُعمِرَهَا حَيًّا ومَيِّتًا، وَلِعَقِبِه" (¬4).
أما العمرى: فهي مأخوذة من العمر، كالرُّقبى من المراقبة، كأنَّ كلَّ واحد منهما يراقب عمر صاحبه بموته، وفي العمر ثلاث لغات: ضم العين والميم، وضمها وإسكان الميم، وفتحُها وإسكان الميم.
ومعنى العمرى: تمليكُ المنافع وإباحتها مدة العمر، لقوله: جعلت لك هذه الدار عمرك، أو حياتك، أو ما عشت، أو حييت، أو بقيت، أو أعمرتكها، أو ما يفيد هذا المعنى (¬5).
وقولُه: "وَلِعَقِبِكَ"؛ فالعَقِبُ: أولاد الإنسان ما تناسلوا، وهو بفتح العين وكسر القاف وإسكانها.
وقولُه: "لأنَّه أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيه المَوَارِيثُ"؛ يريد أنها التي شرط فيها له ولعقبه.
ولفظ الحديث يدل على التقييد بذلك، قال بعضهم: ويحتمل أن يكون
¬__________
(¬1) رواه البُخاريّ (2482)، كتاب: الهبة وفضلها، باب: ما قيل في العمرى والرقبى، ومسلم (1625)، كتاب: الهبات، باب: العمرى.
(¬2) رواه مسلم (1625)، (3/ 1245)، كتاب: الهبات، باب: العمرى.
(¬3) رواه مسلم (1625)، (3/ 1246)، كتاب: الهبات، باب: العمرى.
(¬4) رواه مسلم (1625)، (3/ 1246)، كتاب: الهبات، باب: العمرى.
(¬5) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 87)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 70).

الصفحة 1210