كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)
وقولُه: "وَلَا يَرِثُني إلَّا ابنةٌ": قال شيخنا الإمام أبو زكريا النووي - رحمه الله -: هذه البنت اسمُها عائشة، ولم يكن لسعد ذلك الوقت ولد إلَّا هذه البنت، ثم عوفي من ذلك المرض، ورُزق أولادًا كثيرين، ومعناه: لا يرثني من الولد، وخواص الورثة، وإلا فقد كان له عَصَبة، وقيل معناه: لا يرثني من أصحاب الفروض (¬1).
وقولُه: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثيِرٌ"؛ أما الثلث الأول: فقال القاضي عياض: يجوز نصبه ورفعه، فالنصب على الإغراء، وعلي تقدير فعل؛ أي: أعطِ الثلث، وأمَّا الرفع: فعلى أنه فاعل؛ أي: يكفيك الثلثُ، أو على أنه مبتدأ خبره محذوف، أو خبر محذوف الابتداء (¬2).
وأَمَّا قولُه: "كَثيِرٌ"؛ فوقع في بعض الروايات بالمثلثة، وفي بعضها بالموحدة، وكلاهما صحيح.
وقولُه: "أفَأَتصَدَّقُ بِثُلُثَي مَالِي؟ " يحتمل أنه أراد بالصدقة: الوصيةَ، ويحتمل أنه أراد الصدقةَ المنجزة، وهما عند العلماء كافة سواء، لا ينفذ ما زاد على الثلث، إلَّا برضاء الوارث. وخالف أهل الظاهر، فقالوا: للمريض مرض الموت أن يتصدَّق بكلِّ ماله، ويتبرع به؛ كالصحيح، لكنه مرجوح بظاهر قوله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "الثلث، والثلث كثير"، مع حديث الذي أعتق في مرضه ستة أعبد؛ فأعتق - صلى الله عليه وسلم - اثنين، وأرقَّ أربعة (¬3).
قولُه - صَلَّى الله عليه وسلم -: "إنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِياءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتكفَّفُونَ النَّاسَ".
أَمَّا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتكَ"؛ فهو بفتح الهمزة وكسرها، وكلاهما
¬__________
(¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 76).
(¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.
(¬3) رواه مسلم (1668)، كتاب: الأيمان، باب: من أعتق شركًا له في عبد، عن عمران بن حصين - رضي الله عنه -.