كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)

بعض الكبائر، مساويًا لبعض الكبائر، أو زائدًا عليها، فإن من أمسك امرأة محصنة لمن يزني بها، أو مسلمًا معصومًا لمن يقتله، فهو كبيرة أعظم مفسدة من أكل مال اليتيم، وأكل مال اليتيم منصوص عليه، وكذلك لو دل على عورة من عورات المسلمين تفضي إلى قتلهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم، كان ذلك أعظم من فراره من الزحف، والفرار من الزحف منصوص عليه دون هذه.
وكذلك يفعل على ذلك القول الذي حكيناه، من أن الكبيرة: ما رتب عليه اللعن أو الحد أو الوعيد، فتعتبر المفاسد بالنسبة إلى ما رتب عليه شيء من ذلك، فما ساوى أقلها، فهو كبيرة، وما نقص عن ذلك، فليس بكبيرة. هذا آخر كلامه، والله أعلم (¬1).
قال أبو محمَّد بن عبد السلام -رحمه الله-: أما إذا كذب عليه كذبا يوجد منه بسببه ثمرة، فليس كذبه من الكبائر، قال: وقد نص الشرع على أن شهادة الزور وأكل مال اليتيم من الكبائر؛ فإن وقعا في مال خطير، فهذا ظاهر، وإن وقعا في حقير، فيجوز أن يجعلا من الكبائر؛ فطامًا عن هذه المفاسد؛ كما جعل شرب قطرة من خمر من الكبائر، وإن لم تتحقق المفسدة، ويجوز أن يضبط ذلك بنصاب السرقة.
قال: والحكم بغير الحق كبيرة؛ فإن شاهد الزور متسبب، والحاكم مباشر، فهذا جعل السبب كبيرة، فالمباشرة أولى.
قال: وقد ضبط بعض العلماء الكبائر: بأنها كل ذنب قُرن به وعيد أو حد أو لعن، فعلى هذا، كل ذنب علم أن مفسدته كمفسدة ما قُرن به الوعيد أو الحد أو اللعن، أو أكبر من مفسدته، فهو كبيرة، ثم قال: الأولى أن تضبط الكبيرة بما يشعر بتهاون مرتكبها في ذنبه إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها، والله أعلم (¬2).
¬__________
(¬1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (4/ 171 - 172).
(¬2) انظر: "قواعد الأحكام" للعز بن عبد السلام (1/ 19 - 20).

الصفحة 1573