كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)

المبهمات قصدًا، وعلى ترك المأمورات استلزامًا، وإطلاقها على الأول أشهر.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إن في الجسد مضغةً، إذا صلَحت صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسدَ الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ"؛ المضغة: القطعة من اللحم، سميت بذلك؛ لأنها تمضع في الفم لصغرها، والمراد: تصغير جرم القلب بالنسبة إلى باقي الجسد، مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب، وقد عظم الشارع أمر القلب؛ لصدور الأفعال الاختيارية عنه، وعما يقوم به من الاعتقادات والعلوم، ورتب الأمر فيه على المضغة، والمراد: المتعلق بها، فلا شك أن صلاح الأعمال باعتبار العلم والاعتقاد بالمفاسد، فيتعين حماية مركزهما من الفساد وإصلاحه، وهو القلب.
وقد اختلف العلماء من المتكلمين وغيرهم في العقل، هل هو في القلب، أو في الرأس؟ مذهب الشافعي وجماهير المتكلمين أنه في القلب، ومذهب أبي حنيفة: أنه في الدماغ، وقد يقال: في الرأس، والأول محكي عن الفلاسفة، والثاني: عن الأطباء.
واستدل القائلون بأنه في القلب بقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46]، وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37].
وبهذا الحديث، فإنه - صلى الله عليه وسلم - جعل صلاح الجسد وفساده تابعين للقلب، مع أن الدماغ من جملة الجسد، فيكون صلاحه وفساده تابعًا للقلب، فعلم أنه ليس محلًا للعقل.
واحتج القائلون بأنه في الدماغ بأنه إذا فسد الدماغ، فسد العقل، ويكون من فساد الدماغ الصرع في زعمهم، ولا حجة لهم في ذلك؛ لأن الله -سبحانه- أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ، مع أن العقل ليس فيه، ولا امتناع من ذلك، لا سيما على أصولهم في الاشتراك الذي بين الدماغ والقلب، وهم يجعلون بين رأس المعدة والدماغ اشتراكا، والله أعلم.

الصفحة 1585