كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)

وفي هذا الحديث أحكام:
منها: الحث على الحلال وتبينه.
ومنها: الحث على اجتناب الحرام وتبينه.
ومنها: الإمساك عن الشبهات.
ومنها: الاحتياط للدين والعرض، وعدم تعاطي الأمور الموجبة لسوء الظن بالإنسان؛ لما فيها من تأذية وجر الأذى إلى الناس بوقوعهم فيه بسبب عدم احتياطه لنفسه.
ومنها: الأخذ بالورع والعمل به، وهذا الحديث أصل فيه.
وقد روى الترمذي حديثًا حسنًا من رواية عائذ بن عمرو الصحابي - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبلُغ أحدٌ أن يكونَ من المتقين حَتَّى يدع ما لا بأسَ بهِ، حذرًا لِما به بَأسٌ" (¬1).
وهذا الحديث -أيضًا- أصل أصيل في الورع وترك الشبهات، قال شيخنا الإِمام أبو الفتح بن دقيق العيد -رحمه الله تعالى-: وكان في عصر شيوخنا بينهم اختلاف في هذه المسألة، وصنفوا فيها تصانيف، وكان بعضهم سلك طريقا من الورع، فخالفهم بعض أهل عصره، وقال: إن كان هذا الشيء مباحا؛ والمباح ما استوى طرفاه، فلا ورع فيه؛ فإن الورع ترجيح لجانب الترك، والترجيح لأحد الجانبين مع التساوي محال، وجمع بين المتناقضين، وبنى ذلك تصنيفًا.
قال: والجواب عندي من وجهين:
أحدهما: أن المباح قد يطلق على ما لا حرج في فعله، وإن لم يتساو طرفاه، وهذا أعم من المباح المتساوي الطرفين، فهذا الذي رد فيه القول. وقال: إما أن يكون مباحا أو لا؛ فإن كان مباحًا، فهو مستوي الطرفين، فنمنعه؛ فإن المباح قد
¬__________
(¬1) رواه الترمذي (2451)، كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع، باب: (19)، وابن ماجه (4215)، كتاب: الزهد، باب: الورع والتقوى، والحاكم في "المستدرك" (7899)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 335)، عن عطية السعدي - رضي الله عنه -.

الصفحة 1586